مؤلف موسوعة «قصة الحضارة» المؤرخ الأمريكي «ويل ديورانت» التي جمع فيها قصص جميع الحضارات البشرية منذ بدايتها ودورة حياتها وزوالها، قال إن النتيجة التي استخلصها منها؛ أن النهضة لأي حضارة وبلد تبدأ بحس تفاؤل جماعي وعنفوان طاقة حماسة جماعية نفسية عقلية علمية عملية سياسية اجتماعية فكرية وثقافية على ريادة كل المجالات وتحقيق أقصى النجاحات فيها، وتنهار وتزول الحضارات والممالك والإمبراطوريات عندما تُستنفد وتنضب تلك الطاقة النفسية والعقلية بسبب السياسات والثقافات والأنماط الخاطئة فيصبح ليس لدى الناس حماسة ولا دافعية ذاتية لفعل أي شيء يزيد على ذلك المجبرين على فعله لسد احتياجاتهم المادية الأساسية وبهذا يفقدون الإبداع والإنتاجية الفائقة بكل المجالات ويصبحون كسالى خاملين متخاذلين مكتئبين سلبيين ومتشائمين، وتسمى هذه الحالة بعلم النفس ب«الاحتراق النفسي» وتكون ناتجة عن المعاناة من الضغوط والقلق والمخاوف والتوتر المفرط لفترات مطولة، وحتى على الصعيد الصحي تتسبب هرمونات وكيميائيات التوتر المفرط بأمراض عضوية مزمنة كأمراض القلب والشرايين والسكري وتضعف مناعة الشخص فتكثر إصابته بالأمراض ويكون شفاؤه ضعيفا، ويصاب بآلام «نفسجسدية/سيكوسوماتيك»، وأمراض نفسية وعقلية وسلوكيات الهروب كإدمان الكحول والمخدرات والإباحية، وتتضاعف إصابة بعض الفئات بالاحتراق النفسي بسبب الثقافة الاجتماعية والسلطوية السائدة المنحازة ضدهم كالنساء والفقراء والأقليات المضطهدة والعنف الأسري، وأيضا يمكن إصابة الشعب بكامله بالاحتراق النفسي نتيجة الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية، ولا يمكن فبركة حال الحماسة المؤدية لرفع الإنتاجية والنهضة والمجد بالدعاية المواجهة التي هي أشبه بوضع المكياج على وجه مريض، فهذا لن يجعله يعتقد أنه معافى وليس مريضا يحتضر، ووضع الطلاء على بناء آيل للسقوط، قارن بين كوريا الشمالية القمعية المتخلفة التي لا تنتج شيئا وبين كوريا الجنوبية الديمقراطية التي أغرقت العالم بإنتاجاتها التكنولوجية والثقافية، وحسب دراسات جرت بالعالم العربي على الآثار النفسية لمتابعة أخبار الحروب والإرهاب التي بدول عربية وإسلامية أخرى ورغم أن المتابعين العرب لا صلة لهم بتلك البلدان سوى عبر متابعة الأخبار لكنهم عانوا بسببها من «متلازمة اضطراب وكرب ما بعد الصدمة-PTSD» واحتراقها النفسي، فهناك خلايا بالدماغ تسمى ب«خلايا المرآة العصبية-Mirror neurons» تجعل الإنسان إذا شاهد حتى غريبا يتعرض لمعاناة فدماغ المشاهد يتعامل مع المشهد كأنه وقع به وليس بشخص آخر غريب، ما عدا السيكوباتيين لأن لديهم ضمورا بمركز المعالجات العاطفية بالدماغ، ولذا هم من الجنسين الفئة الوحيدة العقلانية وغير العاطفية بينما كلا الجنسين بالحال الطبيعي هم عاطفيون يحترقون نفسيا لمعاناة الآخرين.