ما هي الآثار النفسية التي تخلفها الحرب؟ ربما يخطر على بال الكثيرين مثل هذا السؤال، في خضم مجريات الحرب على العراق. والحال ان الحروب كانت دوماً موضع اهتمام خاص من قبل إختصاصيي علم النفس، وكذلك الاطباء النفسانيين. ومن المعروف ان الحروب تترافق مع اصابة اعداد كبيرة من الناس باضطرابات نفسية عدة، تشتمل على القلق والتوتر والكآبة والتغيير في انماط السلوك الشخصي والجماعي وما الى ذلك. والمفارقة ان ضحايا هذه الاضطرابات لا يقتصرون فقط على المشاركين في المعارك، او من يقع عليهم العنف، بل انهم يأتون حتى من صفوف اولئك الذين يبقون بعيداً عن الميدان المباشر للقتال. وتراكمت الخبرة العلمية المنظمة في هذة الاضطرابات، وخصوصاً المرض المعروف ب "كرب ما بعد الشدة" Post Traumatic Stress Disorder او PTSD، منذ الحرب العالمية الاولى. ولربما أضاف ظهور الفضائيات، وانغماسها في نقل مشاهد العنف وأصواته على مدار الساعة، بعداً جديداً الى هذه الاضطرابات النفسية القاسية. العنف النفسي للكاميرا ويؤكد الدكتور محمد عبدالله شاووش، رئيس منتدى الطب النفسي ومدير مستشفى الصحة النفسية في جدة، أن مناظر الحرب في العراق على القنوات التلفزيونية الفضائية وعلى أرض الواقع، ومناظر السرقات والنهب التي لم تتحرج من الأعين التي تراقبها في جميع انحاء العالم، قد يترتب عليها ازدياد في نسبة المرضى النفسيين. ويفيد شاووش أن منظمة الصحة العالمية، أشارت الى أن 20 في المئة من سكان العالم لديهم حالات مرضية تتمثل في القلق النفسي والاكتئاب والفصام واضطرابات الذاكرة. وأثبتت "الجمعية العالمية للطب النفسي الأمريكية" أن ما يقارب ثلاثين في المئة من أي مجتمع في أي وقت من الاوقات هم "مرضى نفسيون" بسبب الحروب والخوف والهلع. ويغتنم الشاووش الفرصة لينبه الى اهمية الامراض النفسية. ويصر على انه "على رغم كل ما تحذر منه "منظمة الصحة العالمية"، فإن المرض النفسي لا يحظى بالإهتمام في الاوساط الغربية والعربية". ويشدد على أن المرض النفسي، مثل أي مرض عضوي، لايختار شخصاً بذاته، ولايفرق بين غني او فقير. وينتشر بين كل الفئات العمرية. ويلفت الى ان "منظمة الصحة العالمية" أشارت الى ان الصحة "ليس معناها خلو الإنسان من المرض بقدر ما هي استقراره جسدياً ونفسياً في ممارسة علاقته الحياتية والاجتماعية". ويشير الى ان مسببات الأمراض النفسية "تشمل كل ما يستجد على الإنسان من ظروف معيشية في حياته، واضطراب نظام الغذاء الصحي، ووالعوامل البيئية من مفاعلات نووية وأبخرة المصانع وغيرها". ويرى ان هذه العوامل وسواها "أدت الى أحداث تغيرات في الاستجابة للنواقل العصبية في الكيان البشري، واثرت في توازنه عصبياً ونفسياً". "كرب الشدة"PTSD ويوضح أن أكثر من 50 ألفاً من الجنود الاميركيين تعرضوا بعد حرب الخليج الثانية سنة 1991، لأمراض نفسية من نوع "كرب الشدة"، الذي يسمى ايضاً "كرب الكوارث"، مشيراً وينوه الى ان منظمة الصحة العالمية شرعت في استنفار جهودها لملاقاة ما قد ينتج من مضاعفات عن الحرب ضد في العراق، وخصوصاً لدى الأطفال والشيوخ والنساء. وينبه إلى ان الحرب "ستفرز جيلاً مصاباً بكرب الشدة، ليس في المنطقة بحسب بل في العالم كله، بسبب الاحداث الجارية في الوقت الحالي في المنطقة". ويتميز اضطراب PTSD بمجموعة مميزة من الاعراض التي تظهر بعد فترة، ربما تطول او تقصر، من التعرض الى ضغوط نفسية يولدها العنف، اي بعد المعارك او التعرض للاغتصاب او الزلازل وما الى ذلك. وتشمل الاعراض سرعة النزفزة، والقلق، واضطراب النوم، والخوف من معاودة التجربة المؤذية وتجنب كل ما يذكر بها، وظهور احلام كابوسية لا يصعب ايجاد صلة لها مع الحادث المؤذي، اي كأنما المرء يعيد عيش التجربة المرة في الخيال، والحزن والكآبة ...الخ. ويميل الدكتور شاووش الى وصف شخصية الرئيس الأميركي جورج بوش بأنها "سيكوباتية"، مرضية عدائية في المجتمع، مشيراً إلى ان الشخصية السيكوباتية تدمر من حولها وتتسم بالعواطف الجامدة وعدم الشعور بمعاناة الآخرين . ويلفت إلى أن هذا النوع من الشخصيات "ليست لديه قيم أو مبادئ او إحساس بالإنسانية، يريد الوصول الى أهدافه عن طريق سحق الآخرين ومصلحته فوق كل آعتبار، على طريقة أنا ومن بعدي الطوفان". ويوضح أن الشخصية السيكوباتية "موجودة في الكثير من الحكام الظلمة، ومن أهم صفاتها فرض القوة والهيمنة على الغير. ويمكنها أن تقتل الآلاف من الأبرياء وتدمر المنازل وتنهب الحقوق وتسلب المجتمعات وهي تبتسم وتضحك وتراوغ". ويضيف "إنني كاستشاري في الأمراض النفسية وأنا مسؤول عن ما اقوله عن الشخصية المرضية السيكوباتية... مثل هؤلاء الحكام السيكوباتيين يجب علاجهم... والعلاج هو أن تسحب منهم الصلاحيات التي يستخدمونها في تدمير البشرية وترويع المجتمعات الأمنة".