البحث في سيرة الأنظمة الثورية ذات المشاريع الحالمة والمتضخمة على واقع المنطقة بات أمراً ملحاً، ولا يمكن النظر له بشكل مجتزأ أو من خلال تسليط الضوء على ردود أفعال غير منطقية هنا أو هناك كحالات الجنون ونوبات العته التي ظل يمارسها الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي على سبيل المثال. التسجيلات السرية لجلسات القذافي، توحي بأن ما تم تسريبه لغاية الآن كماً ونوعاً وموضوعاً، ما هو إلا النزر اليسير مما خفي. والأيام القادمة حافلة بما يمكن اعتباره خيوطاً جديدة للدلالة على أن المتآمرين الطامحين للقفز على إرادة شعوب المنطقة، كثر وينتمون إلى مختلف التيارات والتوجهات شرقاً وغرباً. منهم من نعرف ومنهم من ينتظر دوره في طابور الفضائح، كما فعل النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي مبارك الدويلة. فما تحدث به الدويلة كان صرخة المريب بكلمة «خذوني» في محاولته تبرير ما قد يظهر بالمستقبل من أدلة تدينه وتكشف تورطه في مخططات تستهدف أمن الكويت والمنطقة. ولأن الدويلة وجماعته عارفون بطبيعة الساحة السياسية الكويتية، فقد نجح في خداع شريحة اجتماعية لديها الاستعداد النفسي المسبق للتأثر بعبارات تخلط حابل الدين بنابل السياسة. وحتى بعد أن قوبلت تصريحات الدويلة بنفي عضو مجلس الشورى السيد عساف أبو ثنين والذي شغل منصب المدير العام لمكتب خادم الحرمين الشريفين عندما كان أميراً للرياض. قبل أن يصدر النفي الثاني من قبل الديوان الأميري في الكويت، ما تزال بعض المكونات السياسية الكويتية، تبدي موقفاً ملتبساً تحت شعار الدفاع عن الحريات بعدم إقصاء طرف سياسي معين بشكل تعسفي. فلم يعد النقاش ينصب حول صلب الجريمة، بل ذهب الجدل إلى التركيز على هوامش لا تستند لقيمة قانونية أو سياسية أو أخلاقية، أمام إدانة رسمية وقاطعة اقترنت باعترافات. تورط التيارات المؤدلجة وشخوصها كحاكم المطيري ومبارك الدويلة وغيرهما ليس بالأمر الجديد. بل هو حلقة من مسلسل طويل، تعيد إلى الأذهان موقف بعض التيارات والأحزاب إبان حرب الخليج عام 1990. حين نزل أعضاء تلك التنظيمات إلى الشوارع تأييداً للقيادة العراقية آنذاك في حربها الشاملة والمدمرة. وبينما كانت دول الخليج وأبناؤها يخوضون معركة وجود، كان أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين في دول الخليج وفي مقدمتهم أعضاء تنظيم الكويت ملتزمين بموقف قيادتهم الحزبية. الأمر الذي دفعهم للتنصل من إصدار بيان إدانة لحرب سلبت الكويت وجودها من على خارطة العالم السياسية. وعليه فإن التعاطي مع التسريبات وفقاً لسياسة عفا الله عما سلف كما فعلت الحكومة الكويتية بعد التحرير الذي تمر ذكراه خلال الأيام القليلة القادمة لا يعالج المسألة، ولا يؤسس لعمل ديموقراطي حقيقي يحترم الشراكة وتداول السلطة وفقاً للدستور الكويتي على أقل تقدير. وكما لم يشكل مبدأ العفو رادعاً، وكما لم يكلف أعضاء التنظيم أنفسهم عناء الاعتذار عن موقفهم المتخاذل، سيعيد التاريخ نفسه ولن يعتذروا عن موقف لا يخرج عن دائرة الخيانة العظمى للوطن على أقل تقدير. جعجعة المريدين للأردوغانية المتوحشة تزيد من التأكيد على أن قائمة التآمر طويلة زمنياً وتتعدى مساحة خيمة القذافي بما هو أكبر وأكثر مما تم تسريبه من أحاديث. وما مفاهيم الشراكة السياسية والاجتماعية والدينية والإنسانية إلا شعارات لا قيمة لها لدى هذه التنظيمات. في نهاية المطاف يبقى السؤال: ما هي الأحاديث التي تم تسجيلها في خيم وقاعات كل الأنظمة الثورية المشابهة لنظام القذافي، مروراً بطهران وإسطنبول، علّنا نفهم القواعد السياسية والشروط الأخلاقية التي تجعل من الطغاة والمجرمين وشذاذ الآفاق شركاء حقيقيين في رسم مستقبل المنطقة.