ظلت الشهادة الدراسية في كل العالم، على مدى عقود طويلة، جواز مرور إلى سوق العمل ومسوِّغاً أساسياً للحصول على الوظائف، حتى جاءت الألفية الجديدة والتطور التكنولوجي لتعيد صياغة القواعد والأسس المتعلقة بطبيعة الوظائف ومؤهلات شاغليها. إذ وقَّع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً لفروع الحكومة الفيدرالية، بالتركيز على المهارات بدل الشهادات الجامعية في اختيار الموظفين الفيدراليين. ويدفعنا ذلك المشهد لطرح تساؤل رئيسي: هل تعمم فكرة التوظيف بالمهارات بديلاً عن الشهادات في السعودية؟ «عكاظ» طرحت السؤال على خبراء إدارات الموارد البشرية في القطاعين العام والخاص. التحوُّل نحو المهارة يتنامى يقول المتخصص والخبير في إدارة الموارد البشرية عبود آل زاحم إن التحوُّل نحو هذا التوجه العالمي أخذ في التنامي، وسيواجه تحدياً كبيراً يتصل بثقافة ترسَّخت في ما يخص متطلَّبَات شَغْل الوظائف، فضلاً عن كونها مسألة جدلية يتنازعها تياران؛ الأول يرى أهمية الشهادة الخاصة بالمؤهل بوصفها شكلاً من أشكال الخبرة، تقول إن المتقدم لشغل الوظيفة لديه معرفة بأساسيات المهنة، أمَّا التيار الثاني فيرى أنصاره أن الشهادة أياً كان مصدرها وتخصصها لن تخبرنا إذا كان الحاصل عليها قادراً على أداء العمل بمهارة وكفاءة. وأضاف آل عبود: من الأهمية بمكانٍ التأكيد على وجود حدود لقابلية تنفيذ مثل هذه الأفكار نوعاً ما بالنظر إلى الثقافة المجتمعية، إذ تبدو تلك الفكرة غير مناسبة على الإطلاق في الوظائف التخصصية كالطب والهندسة، فلا يمكن أن يمارس أحد مهنة كهذه دون الحصول على شهادة دراسية، في المقابل يمكن تقبُّل ذلك بالنسبة للوظائف ذات الطبيعة العامة، وليكن الفيصل في شغلها اختبارات لإثبات القدرة والمهارة والإبداع. «ثمة ملاحظة أخرى وَجَبَ التطرُّق إليها وهى أن تطبيق مثل هذا التوجه لا يعتمد فقط على إطلاق مبادرة رسمية، وإن كان متطلَّباً أساسياً لدعم الفكرة، لكن الأمر يستدعي أيضاً مشاركة القطاع الخاص وهو ما تؤكده التجارب العالمية، إذ كانت بعض الشركات مثل «IBM» أول من قاد زمام المبادرة في هذا الإطار، فعلى سبيل المثال قامت خلال العام الماضي، بتعيين 15% من قوتها العاملة، من خلفيات غير تقليدية، على أساس المهارة بدلاً من المستوى التعليمي. الذكاء الاصطناعي مهارة العصر يرى مدير مجتمع خبراء القيادة، الدكتور عايض السعيد، أن المجتمعات في المرحلة القادمة مقبلة نحو الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد على المهارة لا الشهادة وتكمن أهمية بناء مهارات الذكاء الاصطناعي بتمكين الشباب وجذب المواهب وبناء الشراكات مع المؤسسات المتخصصة لتحقيق أهداف الإستراتيجيات المستقبلية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتوظيف التقنيات الحديثة لتعزيز الابتكار وتقديم حلول فعالة في مختلف القطاعات الرئيسية. وأضاف أن الصين، مثلاً، تستعين بالذكاء الاصطناعي لكشف مخالفات البناء، وتنطلق من دبي مختبر الذكاء الاصطناعي لتطوير آليات الاتصال وعلى سبيل المثال تسعى الجهات المختصة في الإمارات إلى تكثيف الجهود لتحقيق الريادة في توظيف الذكاء الاصطناعي، بما يحقق أهداف إستراتيجية الذكاء الاصطناعي وتبنّي نهج استباقي يوظف تقنيات أكثر تطوراً للارتقاء بالعمل الحكومي. وأضاف: «كل ما سبق يؤكد أهمية التعلم والتعليم إلى جانب إتقان المهارات وتوأمة التعليم مع التدريب واستقطاب الخبرات لمواجهة التحديات وضمان الدخول في منافسات محلية ودولية». تأسيس فكر دعم المهارات يؤكد المستشار في الموارد البشرية بوزارة التجارة نايف العوبثاني أن الأمر يحتاج إلى دراسة في قياس وتحديد المهارات التي يتم التوظيف بناء عليها، ودعم البرامج التي تدعم وتطور المهارات العملية دون أن ننقص من أهمية التوظيف المبني على الشهادات. فالفكرة مقبولة لكن تحتاج إلى نوع من التوازن في دعم البنية التحتية لتطوير المهارات وتطوير ممارسات التوظيف الاعتيادية، ومن ثم الاتجاه نحو تأسيس فكرة دعم المهارات والجدارات المطلوبة، وأخيراً بناء سلسلة من الإجراءات التي تدعم هذا النوع من التوظيف، وسنجد بعد ذلك توظيفاً حقيقياً يعنى بدعم المهارة والاعتماد عليها كمعيار أساسي للتوظيف، دون أن نهمل الجانب العلمي الذي يعتبر أساساً لتكوين المهارة. اختلاف المهارات بين الوظائف يشير المتخصص في إدارة وتنظيم الموارد البشرية حسن الربيعي، إلى أنه لا يمكن أن يكون القرار ذا تأثير فعلي على مقاييس التوظيف المرتكزة على المعرفة والخبرة بشكل كبير، فالوظائف بطبيعتها تتطلب مقياساً معيناً من المهارات والمعارف والخبرات، ويختلف المقياس من وظيفة لأخرى فممثل المبيعات يحتاج لمهارة التفاوض، والإقناع بمقدار أكبر من معرفته وخبرته بالمنتج، وعلى الجانب الآخر فإن الصيدلي يحتاج للمعرفة والخبرة في مكونات الأدوية أكثر من المهارة، وأيضاً الصحافة تحتاج المهارة أكثر من الشهادة. كبار التجار يمتلكون المهارات يصف المستشار في أنظمة العمل السعودي عبدالتواب المشيقح، قرار المهارة بدلاً من الشهادة بأنه قرار طال انتظاره. ونأمل تطبيقه في كل مكان، فهناك كوادر عالية لديها طاقات مكبوتة تحت غطاء الشهادة. وأضاف: الشهادة مهمة ولكنها ليست أساسية في الحصول على وظيفة والاستفادة من مهارات موظف تنقصه الشهادة، «أرى ألا تعمم على جميع الوظائف، فبعضها تحتاج شهادات كالطب مثلاً لكن الصحافة والإعلام والإعلان هي وظائف مهارات لا شهادات، وهنالك وظائف تتطلب المهارات كوظائف المبيعات والتسويق والإعلام» لو فتشنا في شهادات موظفي القطاع الخاص وكبار التجار لوجدنا أنهم يمتلكون المهارات العالية دون شهادات. الشهادة أهم من المهارة يقول مؤلف كتاب إدارة وتنمية الموارد البشرية علي بن سعيد آل عامر، إن التعميم لهذه الفكرة صعب، فالشهادة العلمية مهمة لاكتساب المعلومات ثم المهارة، فصاحب شهادة الثانوية لن يكتسب علم الطب والهندسة بالمهارة، أما بعض الوظائف الفنية والحرفية فيمكن ذلك. ومن جانبه، يرى خبيرالموارد البشرية في التدريب التقني أسامة الشمري أن الشهادة أو المهارة كلاهما مهمة ومطلوبة. ومَن يريد المنافسة في سوق العمل يحتاج للشهادة التي تقدم له العلم والمعرفة، ويحتاج كذلك المهارات لوجود المنافسة في الاستقطاب.