ليس هناك رأيان في أن أي تأخير في تنفيذ اتفاق الرياض، الذي تم توقيعه بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي في نوفمبر العام الماضي، سيعطي الفرصة لمليشيات الحوثي والنظام الإيراني للاستفادة من تكريس الإرهاب واللعب على أوتار الخلافات والعودة إلى مرحلة التشظي، وإدخال الجنوب في أتون صراع مسلح بين الأطراف الموقعة على الاتفاق، الأمر الذي سيفاقم الظروف الصعبة التي يعانيها الأشقاء اليمنيون نتيجة الكوارث الطبيعية، وانتشار جائحة فايروس كورونا. وجاءت المقترحات التي طرحتها المملكة أمس الأول، لإنهاء الإشكالات في العاصمة المؤقتة عدن من صلب اتفاق الرياض، وتتضمن المقترحات وقف إطلاق النار في محافظة أبين، وإعلان المجلس الانتقالي إلغاء الإدارة الذاتية، وتعيين الرئيس عبدربه هادي محافظا ورئيسا للأمن في عدن، ورئيس وزراء جديد يشكل حكومة جديدة تضم وزراء من المجلس الانتقالي، الذي يقوم بسحب قواته من عدن وإعادة الانتشار في أبين، ومن ثم يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة وبدء أنشطتها. وشكلت اتفاقية الرياض بوابة العبور نحو السلام والاستقرار وصولا إلى الدولة الاتحادية اليمنية التي تمثل مكونات الشعب اليمني كافة دون أي انتقاص، والحفاظ على وحدة وسيادة اليمن. ومن المؤكد أن حل الخلاف بين أطراف اتفاق الرياض لا يمكن تحقيقه عبر استخدام القوة العسكرية التي لا تخدم مصلحة الشعب اليمني، ولا تحقق أمل أبناء اليمن الطامحين إلى استعادة الأمن والاستقرار، بعد سنوات من الصراعات والظروف المعيشية الصعبة. كذلك من المؤكد أن تنفيذ اتفاق الرياض هو ضمانة للحفاظ على الوحدة الوطنية لمختلف أطياف الشعب اليمني وحقن الدماء، ويسهم في تكريس وأمن واستقرار اليمن، ورفض الأجندة الإيرانية الطائفية التي تمثلها المليشيا الحوثية الانقلابية ومكافحة الإرهاب، من خلال إعادة تنظيم القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب وتدريبها. لقد تضمنت بنود اتفاق الرياض إجراءات مشددة لإدارة الموارد المالية للدولة اليمنية لتحقيق الاستقرارالاقتصادي ورفع كفاءة الإنفاق، وإسهام خبراء ومختصين إقليميين ودوليين في تقديم المشورة اللازمة، وتفعيل دور البرلمان في التقويم والرقابة. كما أن الاتفاق يؤكد الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة لجميع أبناء الشعب اليمني، ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي والفرقة والانقسام، وإيقاف الحملات الإعلامية المسيئة بأنواعها كافة بين جميع الأطراف. وفي حالة تنفيذ اتفاق الرياض فإنه سيؤدي إلى مرحلة تطويرية جديدة تقودها حكومة كفاءات سياسية لا يتعدى عدد أعضائها 24 وزيرا مشهودا لهم بالكفاءة والنزاهة والخبرة، مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية، يعينها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، مهمتها توحيد الصف وتفعيل مؤسسات الدولة لخدمة المواطن اليمني بجميع مكوناته وتلبية حاجاته المعيشية. والمملكة كانت ولا تزال طرفاً رئيسياً في أي حلول في اليمن والمنطقة، وتعمل على إيجاد توافق بين جميع المكونات اليمنية لحقن دماء اليمنيين، والوصول لحل سلمي توافقي مبني على المرجعيات والمبادئ الرئيسية، وهي تحترم جميع مكونات الشعب اليمني، وتحترم كذلك ما يتفق عليه أبناء الشعب ومكوناته في المستقبل، ودورها هو دعم اليمن وشعبه لتحقيق الأمن والاستقرار. إذ سعى التحالف العربي لدعم الشرعية منذ اليوم الأول لعاصفة الحزم وإعادة الأمل إلى الحفاظ على وحدة وسيادة اليمن ودعم شعبه لتعزيز مكتسباته ومنع اختطافه وإنهاء التدخلات الإيرانية وعودة الشرعية على كامل التراب ورفض انقلاب الحوثي، كون أمن واستقرار اليمن في أعلى أولويات المملكة، فضلاً عن حرص السعودية الدائم على أمن واستقرار اليمن وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها، والعودة لتنفيذ اتفاق الرياض. وعندما طالب التحالف العربي بوقف أي نشاطات أو تحركات تصعيدية ودعا إلى العودة لاستكمال تنفيذ الاتفاق فوراً ودون تأخير، وتغليب مصلحة الشعب اليمني على أي مصالح أخرى والعمل على تحقيق هدف استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب، فإنه يذكّر مجددا بأن اتفاق الرياض هو الأساس لأي عملية سياسية في الجنوب، بما فيها تشكيل حكومة الكفاءات، حسب نص الاتفاق وممارسة عملها من العاصمة المؤقتة عدن. وكان من المستغرب إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي حالة الطوارئ في عدن وما تبعه في ظل الجهود المبذولة من قيادة تحالف دعم الشرعية لتنفيذ الاتفاق. والمملكة كونها تقود التحالف العربي، مواقفها كانت وما زالت ثابتة وتتمثل في ضرورة الالتزام بتنفيذ اتفاق الرياض وتطبيق مبادئه الأساسية وترتيباته السياسية والاقتصادية وتغليب مصلحة الشعب اليمني وإنهاء التشظي، خصوصا أن (التحالف) اتخذ خطوات عملية ومنهجية لتنفيذ الاتفاق الذي يمثل الإطار الذي أجمع عليه الطرفان. ويرى مراقبون يمنيون أن المناوشات التي جرت أخيرا في الجنوب لا تخدم مصالح اليمن، وتعتبر خَرْقا لاتفاق الرياض الذي يمثل مرحلة جديدة من الاستقرار الدائم ويضع أسساً حقيقية لشراكة دائمة لكل الأطراف. إن اتفاق الرياض وضع على رأس أولوياته الشراكة الفاعلة في إدارة الدولة اليمنية ومؤسساتها بالمناصفة بين الشمال والجنوب، وضرورة أن يكون الجيش اليمني سلاحاً قوياً للدفاع عن مصالح وممتلكات اليمنيين. وعندما ظهرت الإشكالات في عدن بين المكونات الجنوبية والشرعية اليمنية، تعامل التحالف العربي من منطلق المسؤولية، وأكد ضرورة عودة الأوضاع في عدنوالمحافظات الجنوبية إلى ما كانت عليه، وإلغاء أي إجراءات أو آثار تترتب على الخطوات التصعيدية التي أعلنها المجلس الانتقالي. وطالب بتطبيق اتفاق الرياض نصاً وروحاً وعدم مخالفة أي من بنوده باعتباره خريطة طريق لتعزيز الشراكة وإنهاء التباينات ومأسسة العمل وتقاسم السلطة وتشكيل حكومة الكفاءات السياسية. وخلاصة القول: الحل العسكري مرفوض.. تنفيذ اتفاق الرياض نصاً وروحاً.