تحدثت في مقال سابق عن الإصلاح التشريعي للحفاظ على المال العام وتعزيز النزاهة والحياد والشفافية ومكافحة الفساد بأنواعه، وقدمت نموذجاً هو لائحة تنظيم تعارض المصالح في تطبيق نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الجديد ولائحته التنفيذية اللذين ساهما في سد الكثير من ثغرات الفساد التي سبق أن مارسها بعض الموظفين أو المتعاملين مع الجهات الحكومية. ونعود إلى لائحة تنظيم تعارض المصالح، فبعد أن حددت مفهوم التعارض، عددت حالاته وهي تعارض المصالح الفعلي التي يتأكد فيها وجود مصلحة خاصة تؤثر في قدرة الشخص على أداء واجباته ومسؤولياته الوظيفية والمهنية بموضوعية ونزاهة وحياد، وتعارض المصالح الظاهري التي يظهر فيها أن هناك مصلحة خاصة للشخص يمكن أن تؤثر في هذا الأداء، وتعارض المصالح المحتمل التي يكون فيها للشخص مصلحة خاصة قد تؤدي إلى تعارض مصالح في المستقبل وتؤثر في هذا الأداء. ومقصود اللائحة من تعبير المصلحة الخاصة للشخص أنها أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة مادية كانت أو معنوية تحققت أو محتمل تحققها للشخص ذي الصفة الطبيعية أو لأحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة، أو الشخص ذي الصفة الاعتبارية والتابعين له. والمقصود بالشخص المخاطب بهذه اللائحة هو كل موظف له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمنافسات والمشتريات الحكومية، وكذلك المتعامل مع الجهة الحكومية والعاملون لديه والمتعامل هو كل مقاول أو مورد أو متعهد أو مقدم خدمات أو مقاول من الباطن متعاقد أو متقدم للتعاقد مع الجهة الحكومية أياً كان موضوع العقد؛ سواء أكان ذلك باسمه أو كان وكيلاً أو ممثلاً للغير بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد أجادت اللائحة بإقرارها بمساءلة الموظف تأديبياً عند مخالفته أياً من أحكامها وفق نظام تأديب الموظفين ونظام العمل والأنظمة الأخرى ذات العلاقة، ليس هذا فحسب بل الأهم أنها رتبت مسؤوليته عن الآثار المترتبة على وجود تعارض بين مصالحه الخاصة ومصالح الجهة الحكومية إذا لم يفصح لها عنه وأدى إلى حدوث تعارض مصالح فعلي، فأجازت اللائحة للجهة الحكومية إلغاء المنافسة أو إلغاء ترسية العقد الناشئ عن التعارض، والمطالبة بإلزام الموظف برد أي منفعة تحققت له جراء ذلك، والمطالبة بالتعويض عما لحقها من ضرر، ولا يخل ذلك بأي عقوبة أشد يقضي بها نظام آخر. كما أنه في حال مخالفة المتعامل لالتزامه بالإفصاح إلى الجهة الحكومية عن جميع حالات تعارض المصالح في جميع مراحل وإجراءات المنافسات والمشتريات الحكومية، فقد أحسنت اللائحة صنعاً، إذ أوجبت على الجهة الحكومية الرفع إلى لجنة النظر في مخالفات المتنافسين والمتعاقد معهم التي لها أن تصدر في حق المخالف قراراً بمنعه من التعامل مع الجهات الحكومية مدة لا تتجاوز خمس سنوات، أو بتخفيض تصنيفه -إن وجد- أو بهما معاً مع عدم الإخلال بأي عقوبة ينص عليها أي نظام آخر، ويجوز للجنة بدلاً من تطبيق عقوبة المنع في حق المخالف أن تفرض عليه غرامة مالية بنسبة لا تتجاوز (10%) من القيمة الإجمالية لعرضه. واستكمالا من اللائحة لتحديد المسؤوليات أوجبت على الجهة الحكومية اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لمنع أي تعارض في مصالح قد ينشأ في أي مرحلة من مراحل أعمال وإجراءات المنافسات على المشتريات الحكومية، وتحديد طبيعته ونوعه ومعالجته بكفاية وفاعلية وموضوعية لتجنب أي تأثير في عدالة المنافسة وضمان المعاملة النزيهة لجميع المتعاملين، واستبعاد أي موظف من المشاركة في الإجراءات عندما يتأكد لها أن تعارض المصالح لا يمكن معالجته بشكل فاعل من خلال تدابير وإجراءات وقائية أخرى. والجدير بالإشارة هنا هو سابقة قانونية وتشريعية هامة وخطيرة لها تبعات قضائية كبيرة في قضاء التعويض وهي مطالبة الجهة الحكومية للموظف بالتعويض عما لحقها من ضرر. كاتب سعودي majedgaroub@