من منطلق تعزيز حقوق الإنسان الذي دأبت عليه مملكتنا، صدر الأمر الملكي القاضي بمنع القتل لمن هم دون الثامنة عشرة، بنهاية شهر رجب الماضي بتوجيه وزارة الداخلية ورئاسة أمن الدولة، حيث تم الأمر بحصر جميع الأحكام النهائية الصادرة بالقتل تعزيراً على الأشخاص الذين لم يتمّوا 18 سنة من أعمارهم وقت ارتكابهم الفعل المعاقب عليه، وإيقاف تنفيذ تلك الأحكام، وتوجيه النيابة العامة بتقديم طلب إعادة النظر في الأحكام المشار إليها والذي نشر في عدد من الصحف المحلية وعلى رأسها «عكاظ». بهذه الخطوة فإن الدولة ترسل رسالةً واضحةً أن العناية بالمراهقين ورفع وعيهم تحتاج تكاتف جميع الجهات، فعندما تحدث قضية قتل بين هذه الفئة العمرية تفكر في حال أسرهم جميعاً القاتل والمقتول، فكلا العائلتين نزفت دماً وقهراً وحزناً؛ بسبب لحظة غاب فيها الوعي وتراكمت فيها ثقافات اجتماعية بين (رعونة المراهقة، وصلابة المرجلة) وبين (صورة النفس والجسد) وانصهار هؤلاء الشباب الذين خسرهم الوطن قبل أن يخسروا أنفسهم في (الهوشات والمضاربات وعلوم الرياجيل). نعم، لقد غاب لسنوات الحديث عن الوعي الجسدي في مدارسنا وإعلامنا، وحورب بشكل أو بآخر كل من يسعى لرفع الوعي بين الناشئة، فانصرف الكثير من الأفراد لتفريغ هذه الطاقات والمشاعر بأشكال مؤذية وغير صحية بجانب أبعادها الدينية، استمر هذا النشاط والممارسات غير السوية من مشاجرات وتحرشات محتملة باستهداف أجساد الأطفال تارة وتارة أجساد المراهقين، في ظل صمت مجتمعي غير مفهوم ودون أن تتجه الجهات المعول عليها برفع الوعي وبأن تدق ناقوس الخطر وتنزل للميدان بسواء كان ذلك بسبب التابوهات الثقافية التي تجعل الاقتراب من هذا الخط (محط اتهام) أو بسبب غياب الرؤية الواضحة لمعالجة هذا الملف. إن كل هذا الرفاه المجتمعي والتحولات النوعية الراسخة التي نحظى بها في ظل قيادة عظيمة ممتدة عبر التاريخ وقادة جعلوا (المواطن السعودي) الرقم الأصعب في العالم بحمايته ودعمه وتذليل وتسخير كل طاقات البلاد لأجله، يجعلنا نحتفي بهذه القرارات ولعل غزارتها وروعتها تجعلنا نتطلع للمزيد من الشفافية حول قضايا المراهقين بالذات، فإدارة الظهر والتجاهل والإنكار لواقع العلاقات (المشوه) لدى البعض لن يعالج حقيقة المخاطر المترتبة عليها، المراهقون هم ثروتنا، ولا ننسى أنهم النسبة الأكبر في المجتمع، الأنماط العدائية التي نراها في بعض التجمعات هي نواة سلوكيات خطرة جدّاً وليست مجرد (هوشة عيال). وما أزال أكرر الأسئلة: ما مدى الاستعانة بمختصين نفسيين واجتماعيين في القضايا والجهات التي تباشر هذا النوع من القضايا؟ وكيف يمكن للمدرسة والإعلام أن تعين هذه الجهات في (الوقاية) بدلاً من (الضبط) و(العلاج)؟ ولماذا ننتظر أن تحدث الجريمة؟ لماذا لا نمنعها قبل وقوعها؟ ماذا لو تم احتواء الفضول المعرفي و(اللقافة) والميل البيولوجي الفطري بالعلم والتثقيف، فالوعظ بالغالب لم يعد مجدياً مع الناشئة!، اكتفاء بعض الجهات المسؤولة عن (الأسرة) بالنسخ واللصق لعبارات سفسطائية غير كافٍ لمعالجة مشكلات (الهوية وصورة الجسد)، الانحرافات الأخلاقية لها جذرها النفسي الذي يبدأ منذ الطفولة، فالخلط الممجوج بين البيدوفيليا كجريمة وبين الممارسات الثقافية المختلفة يجب أن يتم فصله ومعالجته من قبل مختصين. النظر في واقعنا اليوم مبهج وجميل، لكن سنعود قريباً للمدارس وسيعود الشباب لصفوفهم، ولا توجد أسرة تريد أن يعود ولدها قاتلاً أو مقتولاً، لعل رفاهية البعض تمنعهم من تصور عمق المشكلة، لكن من يعيش في مناطق متفرقة ويهاجر ويغادر ويعود يدرك أن هذه السلوكيات تحدث في كل أنحاء العالم وبذات الحد من الخطورة وربما أشد، المختلف أن هناك من يتحدث ويسعى للحل والعلاج وهناك من يكمّم فاه وينفض عباءته ولا يعلم فقد يكون (القاتل) أو الضحية القادمة ابنه! في كل مشكلة اجتماعية لا تنسَ أن تضع نفسك في كرسي (الضحية)، فقد تكون أنت الضحية القادمة! ولعل هذا يرقق قلبك أو ينير عقلك، ونعوذ بالله من الغضب وفقدان البصيرة. كاتبة سعودية [email protected]