انتشر في الأسبوع الماضي مقطع لمراهق يحاصره مجموعة من المراهقين بهدف إيذائه، ومحاولة تحطيم سيارته، والتجمهر بطريقة مرعبة وغير مفهومة، وهذه ليست المرة الأولى. واستخدام لفظ «الورعان» أو «العيال الحلوين» هو مجرد تمييع لملفات أمنية وأخلاقية يتم تجاهلها وتجاهل ما يترتب عليها من مفاسد أخلاقية وجرائم اجتماعية تم السكوت عنها لسنوات دون أن تفهم السبب، فالبعض لا يهتم طالما أن الطرفين من جنس واحد، الهاجس الوحيد الذي يقلقهم هو وجود أي تواصل بين الجنسين واعتباره شيئا محظورا. ويكفيك أن تدون هذه المفردات «ورع، عيال» ومفردات أخرى حتى تنصدم من التجمعات والمقاطع المرعبة والمتابعين لهذه الفئة والتي هي بمنظار علمي مجرد «مقاطع جنسية للأطفال»، يتم تطويع مفرداتها وربطها بالسخرية، وهي للأسف متفشية في المدارس وفي كل مكان بالعالم، لكن المختلف والذي يهمنا هو الصمت عنها وعدم وجود توعية حقيقية لخطورتها، وما يترتب عليها من أضرار. بالتأكيد أنا لا أناقش هنا قضية المثلية، بل أتحدث عن التحرشات الجنسية والسلوكيات الممتدة بين من هم دون الثامنة عشرة، وبالمناسبة نحن نصاب بالذعر من أي مسميات علمية ونتجاهل أن الاعتراف لا يعني التشريع، المهم أن نعالج هذه السلوكيات التي تتسبب في تدني نظرة المراهق لنفسه، وتؤدي لمشاكل خطيرة أهمها الانتقام والترصد للآخرين، وللأسف هذه القضايا عامة في المجتمعات البشرية، ولا علاقة لها بأي أيدولوجيا بقدر ما لها علاقة بالتنميطات الثقافية، التي تدفع الشاب لتوهم قوة خارقة، وتذكي مفهوم السلطة بطريقة بدائية، فهو يعتقد أن تحقيق الذات يأتي من خلال الأذى. لهذا سيشهد التاريخ لمعالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ بالشجاعة الأخلاقية والحكمة بتدشينه قرار مدارس الطفولة المبكرة، وهو قرار وتحول نوعي في المشهد المجتمعي قبل أن يكون تحولا في المشهد التعليمي، لأن وجود الأطفال في بيئة آمنة ومتنوعة أمر أساسي لمعالجة هذه الظواهر، وأعني هنا التحرش تحديدا بين الذكور سواء من الأقران أو الأكبر، وأيضا اعتياد الشباب بسن مبكرة للتعامل مع الفتيات سيخفف هذه النزعة العدائية بشكل كبير. لعل التحدي القادم والذي قد تفاجئنا الوزارة بتطبيقه هو مشروع «الثقافة الجسدية في المدارس»، والذي حورب لسنوات دون أن تفهم المبررات الأخلاقية أو الدينية، أليس من الأفضل أن يفهم النشء طبيعة أجسادهم بعيدا عن المنحرفين؟ بعيدا عن مواقع الإنترنت المنحلة والمرعبة، التهذيب والوعي سيجعل هذه الخبرة أمرا جيدا ووقائيا من خلال برنامج تربوي عالي ورفيع المستوى تتم دراسته ومعالجته وتنقيحه ليناسب خصائص الطفل ويشبع فضوله تجاه جسده. التحرش الجنسي بالأطفال مرعب جدا، ومخيف أن تبدأ خبرة الإنسان الجسدية الأولى من خلال المعتدين والعابثين، وللأسف فإنه لا تزال صورة الإنسان في مجتمعنا عن ذاته غير معالجة بشكل علمي، بل يخجل حتى من التطرق لها، فما زالت هناك تابوهات تجعل الحديث عن الجسد معصية وخطيئة، وبالمقابل لا تخجل هذه السياقات الثقافية من رؤية شاب يتعرض للتحرش أو ينتهك عرضه! ناهيك عن التهجم على الشباب الذين يختلفون عن أقرانهم بالمظهر، والتنمر المرعب الذي ينالهم، بل دائما ما تجد أن المجتمع لا يتقبل أن يتحدث الرجل عن ضعفه أو مشكلاته! فالثقافة الذكورية تفترض فيه القوة، وأنه غير قابل للهزيمة! بالتالي عندما يتعرض الطفل الذكر لمشكلة يكون خوفه مضاعفا لعدم وجود أي سياق يتقبله ويفهمه. فاصلة، كونوا قريبين من أبنائكم، لا تتركوهم ضحايا للتنمر، إحصائيات تصفح المواقع الإباحية تحتاج وقفة جادة من الجهات الأمنية ومكاشفة صريحة مع المجتمع وأولياء الأمور، بل حتى المحادثات المخجلة التي تدور في أروقة الألعاب الإلكترونية التفاعلية مخيفة، المدارس أيضا عليها دور كبير لرفع الوعي، فإن أضعف الإيمان أن تكون هناك حملة سنوية للتحدث عن خطر المواقع الإباحية ومتابعة الحالات التي تستدعي رعاية ومعالجة، وللأسف أن الجانب النفسي لدينا مهمل بشكل كبير، وهو أهم وأعمق جانب في حياة الإنسان، لهذا علينا أن نتوقف عن استخدام هذه الألفاظ وقراءة ما وراءها. * كاتبة سعودية [email protected]