فليكن مشروعنا هو تفكيك فقه الإرهاب.. كيف استطاع الإخوان وجماعات التطرف والإرهاب الوصول إلى عقول أبناء أمتنا؟ ليس بالكتب فقط، ولا حتى بالصحف والنشرات، ولكن نجاحهم الأكبر كان من خلال منابر المساجد، ففي المسجد يجلس الشاب المسلم ليتلقى جرعة ليس عليها رقيب، تقوم هذه الجرعة على منظومة فكرية تتكون من عدة أعمدة رئيسية هي: أولا الادعاء أن الخلافة فريضة دينية يجب أن يعمل من أجلها كل مسلم وإلا كان إسلامه ناقصا، وثانيا الادعاء الجاهل بأن مجتمعنا لا يطبق الإسلام، وثالثا الادعاء بأن الإسلام يتعرض لحرب كونية تستهدف القضاء عليه ولذلك يجب أن يكون الشاب المسلم جنديا من جنود الإسلام. ليست الخطورة إذن في الكتب نفسها ولكن في محتوى الكتب الذي يسهل وضعه على الإنترنت، وتسويقه في عالم لا توجد فيه رقابة، ولا يوجد فيه رد علمي دامغ على أفكار التطرف والإرهاب، الآن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخطر على عقل الشاب المسلم، يلعبون بعقله من خلال آيات الولاء والبراء وإخراجها من سياقها وتعميمها، يستخرجون آيات القتال ويروجون لها بزعم أن الله أمرنا بالجهادين، جهاد الدفع وجهاد الطلب، وما فهموا أن الله قال لنا في كتابه الكريم «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين». لذلك فإن الأهم الآن هو تفكيك فقه الإرهاب، واستخدام كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والفضائيات والدراما في هذا المشروع، وليكن هو المشروع القومي لأمتنا كلها بعد أن اكتوت بنيران الإرهاب، فنحن الآن في قلب الدنيا الحقيقية ولدينا القدرة على القيام بأشياء كثيرة تفكك منظومة الإرهاب الفكرية، وأهم هذه الأشياء هو تبني مشروع قومي لإعادة بناء المواطن العربي، وأمتنا في أمس الحاجة إلى خطاب حضاري يليق بها وبتاريخها، يستلهم من ماضيها ليقدم لمستقبلها، وينظر لباقي الحضارات نظرة تكامل لا تصادم، أما الخطاب الديني فهو مفرد من مفردات الخطاب الحضاري، وحيثما ارتفع خطابنا الحضاري واتجه إلى إعمال العقل والإبداع، ارتفع معه شأن الخطاب الديني واتجه إلى العقل وانتحى بعيدا عن النقل، ومع ذلك فإن الخطاب الديني يحتاج إلى عناية خاصة نظرا للتشويه الذي حدث للإسلام عبر سنوات طويلة، حيث تغلبت مدارس فقهية اعتمدت على النقل ونحت العقل جانبا، لذلك وبالتدريج أصبحت مدرسة النقل هي المسيطرة على الخطاب الديني وابتعدت مدرسة العقل عن التأثير، وترتب على ذلك أننا ومنذ زمن ونحن لا نعيش مع فهمنا نحن للدين، ولكن مع فهم القدماء للدين، لذلك كانت المفارقة التي جعلتنا نعيش في القرن الواحد والعشرين، بعقلية من يعيش في القرون السابع والثامن والتاسع! وكأن الإسلام دين محلي مرتبط بحقبة زمنية محددة ومجتمع بعينه، وهذه أكبر إساءة لعالمية الإسلام وعدم محدوديته، لذلك ومن منطلق أن الله أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ليكون للعالمين نذيرا) وكذا ليكون (رحمة للعالمين) لذلك فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تتفاعل عقول الناس «النسبية» على مر العصور وعلى اختلاف الأمكنة والأزمنة مع نصوص الدين المطلقة، وسيترتب على ذلك بلا ريب اختلاف الأفهام من جيل إلى جيل ومن بيئة إلى بيئة، فإذا ربطنا أنفسنا بفهم جيل بعينه نكون قد نزعنا من الإسلام خاصيته العالمية والشمولية، وقد أنتج لنا تجميد الدين عند زمن القدماء جماعات عاشت بعقول أزمنة قديمة فكان أن تعسفت في فهم النصوص واعتبرت أن ما هي عليه هو الحق المطلق! فرفعت سيوفها في وجوه مجتمعاتها وأطلقت دعاوى التكفير ضد الجميع، وأنشبت مخالبها في وجوه من يخالفها في الفهم، فكان القتل وسفك الدماء وتخريب البلاد والسعي للحكم باسم الدين على جثث العباد! ولأن شعارات الدين تخلب العقول وتسلب المشاعر لذلك وقع تحت أسر تلك الجماعات عدد لا يستهان به من شبابنا، وتعاطفت معهم شرائح من الناس، يظنون أن ما عليه تلك الجماعات هو الدين المطلق وأن ما سواه هو الباطل المطلق، وأن صراعهم هو صراع الحق ضد الباطل، وجهادهم هو الجهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى!! وكان هذا كله داعيا لنا أن نسعى إلى تصحيح المفاهيم ومواجهة هذا الشذوذ الذي أساء للإسلام أيما إساءة.