يستشرف كثير من المتخصصين اليوم «مستقبل العالم» بعد انتهاء جائحة فايروس كورونا، ومن بين الموضوعات التي حظيت بمزيد من النقاش التغييرات المستقبلية الحاصلة ببنية «التعليم»، خصوصاً بعد الانتقال من النمط التقليدي إلى نموذج تقديمه عن بُعد. وما استرعى انتباهي الحديث المهم الذي ورد على لسان وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ لدى ترؤسه الاجتماع الرابع (الافتراضي) لمجلس إدارة المركز الوطني للتعلم الإلكتروني، مفصحاً فيه أن «التعليم بعد أزمة كورونا لن يكون كما قبله، وهناك فرص لتطوير منظومته عن بُعد». في نظري يعد هذا التصريح استشرافياً بامتياز، بل لا أخفي عليكم دهشتي من عمق ما ذكره الوزير، ظناً مني أن ديناميكية التعليم التقليدية ستعود كما كانت سابقاً بعد انتهاء أزمتنا الصحية، فالانتقال إلى منظومة التعليم عن بُعد، كان الخيار الأنسب بعد تفشي كورونا، وأتذكر في الأسبوع الأول من الدراسة الافتراضية الانزعاج النفسي والقلق البادي على طلابي وخشيتهم من هذا النوع من التعليم الذي لم يألفوه من قبل، وشكايتهم من بعض التحديات التقنية التي واجهوها في بداية الأمر، إلا أن ذلك تلاشى بنسبة كبيرة وسريعة، بعد الخوض في التجربة مرغمين غير مخيرين، لننطلق بعد ذلك بفهم واعٍ في التعرف على أدق أسرار منصتنا التعليمية الجامعية، حتى ممارساتنا الاجتماعية ألقت بظلالها على طريقة تعاملنا داخل الفصل الافتراضي، فشعرنا جميعاً بقربنا من بعضنا، والفائدة هنا أن «التعليم عن بُعد» متى ما استخدم وفق منهجية علمية فإنه يسهم على التباعد الاجتماعي وليس العزل الاجتماعي كما يروج له البعض. للحقيقة شعرت أن هناك إمكانيات هائلة وفرتها لي المنصة الافتراضية، من حيث سهولة وضع الواجبات وتصحيحها وعرض المواد وغيرها، وكم تمنيت لو طلبت من طلابي الكتابة عن تجربتهم، والتحديات والفرص التي واجهوها في المنظومة التعليمية الافتراضية، وكنت مسروراً للغاية أن الطالب استثمر وقته في منزله بزيادة محصله العلمي، ولذا أجدها فرصة لدعوة الزملاء والزميلات في حقلي التعليم العام والجامعي للكتابة حول هذه التجربة المفصلية في تاريخ تعليمنا السعودي، وإرسالها للجهات الاختصاصية في الوزارة للاستفادة من هذه الرؤى. لدي يقين، بأن تجربتنا في التعليم خلال أزمة «كورونا» ستكون مصدر إثراء للدراسات والأبحاث النظرية أو العينات المحدودة التي تناولتها الجامعات، وبحكم انتسابي لإحدى المؤسسات التعليمية الجامعية العريقة، أرى أن هذا الحقل اتسم بأسس جيدة من البرامج والمنظومات التعليمية الافتراضية التي ساعدت على استكمال الفصل الدراسي الثاني بشيء من المهنية والاحترافية. أقول: إن العصر الحالي الذي أصبح الواحد فينا ممسكاً بجواله وبالأجهزة اللوحية لساعات طويلة -خصوصاً الأبناء- يجعلنا نعيد النظر في تقييم طرق تعليمنا والتشديد على الاستفادة من الأدوات التقنية، والمحاولة الجادة لدفع أولادنا وبناتنا إلى دخول لعالم المنظومات التعليمية الافتراضية أسوة بالتطبيقات الاجتماعية أو الترفيهية. * أستاذ مساعد اللغويات ونائب المشرف العام على المركز الإعلامي بجامعة أم القرى.