كشفت جائحة كورونا، شغف السعوديين والمقيمين بالتعليم والتدريب عن بُعد، خصوصاً بعد فرض وإلزام أفراد المجتمع بالحجر المنزلي، ما حدا بوزارة التعليم، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني ببذل جهود جبارة لمواصلة التعليم والتدريب من خلال منصات تعليمية وبرامج تدريبية متنوعة، والتي شهدت حضوراً كبيراً من طلبة التعليم العام والتعليم الجامعي، وكذلك من المتدربين في البرامج التدريبية من الخريجين والخريجات ومن في حكمهم. ففي التعليم العام أطلقت وزارة التعليم منظومة التعليم الموحدة، وبوابة التعليم الوطنية "عين"، وكذلك بوابة المستقبل، كما أطلقت منصات للتعليم الجامعي الحكومي والأهلي، إضافةً إلى أنه أطلقت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بالشراكة مع مراكز ومعاهد التدريب الأهلي بالمملكة مبادرة العطاء التدريبي بتقديم العديد من الدورات التدريبية المجانية عن بُعد، في مجالات متعددة وبشهادات معتمدة، وذلك طيلة شهر رمضان المبارك. وتأتي تلك الجهود والمبادرات التي يبذلها كلا القطاعين خدمة لكافة أفراد المجتمع في ظل الظروف الحالية التي يشهدها العالم بسبب جائحة فيروس كورونا، واستغلالاً لفترة بقاء المواطنين في منازلهم من خلال تقديم هذه الأنواع من المنصات والبرامج. بدائل تعليمية وفي بداية الأزمة نظم المركز الوطني للتعليم الإلكتروني لقاءً افتراضياً بعنوان "وزارة التعليم والنجاح في الأزمة: كيف نجحت الجامعات السعودية في مواجهة تحدي التحوّل الكامل نحو التعليم الإلكتروني خلال أزمة فيروس كورونا"، بمشاركة عدد من عمداء التعليم الإلكتروني في الجامعات السعودية. وخلال جائحة كورونا استطاع التعليم عن بُعد في الجامعات السعودية أن يكمل رحلة الطلاب والطالبات التعليمية بنجاح، فقد وجّه وزير التعليم د.حمد بن محمد آل الشيخ منذ الأول من فبراير الماضي الجامعات السعودية بالاستعداد بتحديث خطط الطوارئ لديها، ورفع درجات الاحتراز وإيجاد البدائل التعليمية المناسبة. وبدأت الجامعات منذ قرار تعليق الدراسة بتاريخ 8 مارس الماضي بالتحوّل الكامل للتعليم عن بُعد، بجاهزية أكثر من مليون و421 ألف محاضرة وجلسات نقاشية، وقد سجل الحضور لها ما يتجاوز 453 ألف طالب وطالبة منذ تعليق الدراسة، وبلغت التسجيلات للمحاضرات الافتراضية المنعقدة خلال تلك الفترة آلاف المحاضرات الافتراضية، وتسجيل دخول آلاف الطلاب والطالبات، كما بلغ عدد مرات الاطلاع على المصادر التعليمية التابعة لوزارة التعليم ما يزيد على خمس ملايين زيارة خلال فترة الإيقاف الأول للدراسة. محتوى مفتوح وأسهم المركز الوطني للتعلّم الإلكتروني عبر منصة شمس بتقديم محتوى تعليمي مفتوح شمل أكثر من 370 ألف مورد تعليمي متاح تحتوي على مواد علمية، ودروس، ووحدات، وأنشطة، ومقاطع مرئية، تسهم في استمرار العملية التعليمية للطلاب والطالبات في التعليم الجامعي بمختلف المراحل التعليمية من "بكالوريوس" و"ماجستير" و"دكتوراه". وقدمت الجامعات السعودية عبر منصاتها المختلفة، بما فيها الشبكات الاجتماعية شروحات متنوعة لطريقة استخدام أنظمة التعليم عن بُعد. تبني الجديد وعن جهود الوزارة في التعلم عن بُعد، أكد د.عبدالله الوليدي -مدير عام المركز الوطني للتعليم الإلكتروني- على أهمية استثمار هذه التجربة في تبني ممارسات حديثة للدفع بعجلة تطوير التعليم، نظراً لأن التعليم الإلكتروني أصبح من المكوّنات الأساسية لمستقبل التعليم. وأوضح د.علي الشمري -عميد التعلّم الإلكتروني والتعليم عن بُعد بجامعة تبوك- أن التجربة الحالية حوّلت المفاهيم نحو مفهوم التصميم التعليمي ونظرياته ومفاهيمه، مشيراً إلى أنه جاء الوقت لخلق فرص لأعضاء هيئة التدريس لممارسة هذه المفاهيم وتطبيقها، وتفعيل النظريات والمفاهيم التي تمت دراستها نظرياً حول التعلّم الإلكتروني. وقال د.وليد الجندل -عميد التعلّم الإلكتروني والتعليم عن بُعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: إن تجربة التعليم الإلكتروني خلال الأزمة كسرت الحاجز النفسي لدى أعضاء هيئة التدريس والطلاب، مبيناً أن المطلوب الآن إعطاؤهم دفعة أكبر، وتوجيههم نحو وضع أدوات التعليم الذاتي، إضافةً إلى أهمية تطوير المحتوى ومخرجاته بطريقة تناسب الطلاب. وتحدث د.عمر الصالح -عميد عمادة التعاملات الإلكترونية والاتصالات المكلّف بجامعة الملك سعود-: إنه أصبح لزاماً على الجامعات تعديل التوجه في عملية التعليم لتتمحور حول التعليم الإلكتروني، موضحاً أن هذا يستلزم إثراء بنوك الأسئلة، وإثراء المحتوى الإلكتروني، وتفعيل دور أعضاء هيئة التدريس وتعاونهم لضمان النجاح في ذلك. تعليم بالمنزل وشهدت المنصات التفاعلية للتعليم عن بُعد تفاعلاً كبيراً من الطلاب والطالبات والمُعلمين والمُعلمات خلال فترة تعليق الدراسة، حيث بلغ عدد المتفاعلين من الطلبة أكثر من ثلاثة ملايين طالب وطالبة، وسجلت إحصاءات وزارة التعليم دخول مليوني طالب وطالبة للتقويمات التي أجرتها المنصات التفاعلية في المرحلة النهائية للتعليم عن بُعد، وأكثر من مليون طالب وطالبة في مدارس التعليم الأهلي والعالمي، وذلك خلال فترة تعليق الدراسة حضورياً، مع استمرار عمليات التقويم عن بُعد الى نهاية العام الدراسي في 21/9/1441ه، مؤكدةً الوزارة استمرار عمليات التقويم -لمن يرغب- مع بداية العام الدراسي القادم 1442ه في المهارات الرئيسة لكل مادة دراسية، وذلك لمعرفة مستوى التحصيل الدراسي للطلاب والطالبات، ولتنفيذ المعالجات التعليمية اللازمة، مع احتساب النتيجة الأفضل لهم. وأشارت الإحصاءات إلى دخول حوالي مليوني طالب وطالبة على منصات التعليم عن بُعد: "منظومة التعليم الموحدة" و"بوابة المستقبل"؛ لإنجاز كافة التقويمات المطلوبة عن بُعد وفق خيارات متعددة، وأكثر من 290 ألف معلّم ومعلمة سجلوا دخولهم على تلك المنصات لإجراء عمليات التقويم، كذلك دخول 11 ألف مشرف ومشرفة لمتابعة عمليات تقويم الطلاب والطالبات، وتسجيل دخول أكثر من 20 ألف قائد مدرسة لمتابعة عمليات التقويم، واستكمال رصد الدرجات عبر نظام نور. خطة زمنية ويأتي ضمن مؤشرات أدوات تفعيل التعليم عن بُعد للتعليم العام التي تم رصدها منذ الإعلان عن تعليق الدراسة في المملكة؛ إجراء ما يزيد على 826 ألف اختبار لجميع مراحل التعليم، وتجهيز 493 ألف فصل افتراضي تُدار وفق خطة زمنية واضحة لتنفيذ ثلاث مراحل شملت: إتمام المنهج الدراسي، مراجعة المنهج الدراسي، تقويم أداء الطلاب، حيث تخلل ذلك تنفيذ ما يزيد على 2.2 مليون واجب إلكتروني، ومشاركة أكثر من مليوني محتوى إلكتروني، من خلال الجهود الكبيرة التي بذلها المعلمون والمعلمات في التفاعل مع طلابهم وطالبتهم. وفي ذات السياق أشارت آخر الإحصاءات المرتبطة باستخدامات المنصات التعليمية من قبل طلاب وطالبات مدارس التعليم الأهلي والعالمي إلى دخول أكثر من مليون مستخدم، من خلال عدة منصات، من بينها منظومة التعليم الموحدة و"كلاسيرا". وتتابع وزارة التعليم رفع النتائج لجميع مراحل التعليم على نظام نور وفق المواعيد المحددة لكل مرحلة، حيث ينهي طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية العام الدراسي في 14/9/1441ه، والمرحلتين المتوسطة والثانوية في 21/9/1441ه، وبذل المعلمون والمعلمات مع طلابهم جهوداً كبيرة في منظومة التعليم الموحدة وبوابة المستقبل؛ لإتمام عمليات التقويم عن بُعد. تغيير ثقافة ورأى د.هشام برديسي -عميد التعلّم الإلكتروني والتعليم عن بُعد بجامعة الملك عبدالعزيز- أن من التحديات التي تواجه تجربة الانتقال نحو التعليم الإلكتروني تغيير الثقافة عند المعلّم والطالب، وكيفية تقديم التعليم بشكل متميز لطلاب الاحتياجات الخاصة، مؤكداً على الحاجة للتفكير في حلول عملية حول كيفية تقديم التعليم لهذه الفئة الغالية بعد انتهاء الأزمة. وأكد د.سعد الودعاني -عميد التعلّم الإلكتروني والتعليم عن بُعد بجامعة القصيم- على أن التجربة الحالية للتعليم عن بُعد ستؤدي للتغيير في العديد من الممارسات التي تتعدى إطار التعليم، لتشمل الكثير من الممارسات والاجتماعات، وجزءاً من الأعمال الإدارية التي ستتم تأديتها عن بُعد، مبيناً أن ما نشاهده الآن بشكل استثنائي هو ما سنشاهده بشكل طبيعي في المستقبل. عطاء تدريبي وبذلت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بالشراكة مع مراكز ومعاهد التدريب الأهلي بالمملكة جهوداً كبيرة من خلال إطلاقها مبادرة العطاء التدريبي بتقديم 393 دورة تدريبية مجانية عن بُعد، في مجالات متعددة وبشهادات معتمدة، وذلك طيلة شهر رمضان المبارك. وتأتي هذه المبادرة التي تشرف عليها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في ظل الظروف الحالية التي يشهدها العالم بسبب جائحة فيروس كورونا، حيث تهدف المؤسسة إلى استغلال فترة بقاء المواطنين في منازلهم من خلال تقديم هذا النوع من البرامج التدريبية لمختلف الأعمار، وإكسابهم المهارات الأساسية وتنمية القدرات البشرية. وبلغ عدد منشآت التدريب الأهلي التي شاركت في المبادرة 165 منشأة تدريبية حتى الآن بمختلف مناطق المملكة وبعدد إجمالي ساعات وصل إلى 3012 ساعة تدريبية، حيث يصل مجموع عدد الأيام للبرامج التدريبية 914 يوماً. وأعلنت المؤسسة عبر حسابها الرسمي على منصة تويتر وحسابات الإدارات العامة للتدريب التقني والمهني بالمناطق عن الدورات التدريبية المقدمة وآلية التقديم عليها، حيث أتاحت إمكانية التقديم لمختلف الفئات العمرية للاستفادة القصوى من البرامج المقدمة. وقد رخصت المؤسسة لعدد 555 منشأة في التدريب الأهلي لمزاولة التدريب عن بُعد، كما مددت رخص المعاهد والمراكز الأهلية لمدة ثلاثة أشهر كخطوة لدعم استمرار أعمال مراكز ومعاهد التدريب الأهلية في ظل أزمة كورونا. معرفة وخبرة وأخيراً.. يجب أن نستفيد من هذه الأزمة بالسعي لإنجاح تجربة التحوّل نحو التعليم والتدريب الرقمي لمواجهة أي أزمات لاحقة -لا سمح الله-، والحرص على تبادل المعرفة والخبرة بين المهتمين في الداخل والخارج، لتطوير ممارسات التعليم والتدريب الإلكتروني بالمملكة والنهوض بها، لما لمستقبل التعليم والتدريب الإلكتروني من أهمية في تعزيز مكتسباته، وما له من أهمية اقتصادية أيضاً في تقليل التكاليف وتحسين المخرجات. د.عبدالله الوليدي د.علي الشمري د.وليد الجندل د.سعد الودعاني د.هشام برديسي