براغماتي من طراز فريد، نجح في شق الفريق الشيعي الذي انقسم ما بين مؤيد لتوليه رئاسة الوزراء وبين معارض له، رغم أن الجميع يعتبره «رجل واشنطن» في العراق، إلا أن مصطفى الكاظمي رئيس حكومة العراق الجديد تمكن من اجتياز الاختبار وحصل على ثقة مجلس النواب (البرلمان) رغم بقاء حقيبتي «النفط والمالية» شاغرتين، وسط صمت إيراني واضح سهل عملية الحصول على هذه الثقة، لكن هذا الصمت ربما يكون بمثابة الهدوء الذي يسبق عاصفة قادمة بحسب تفسير أحد المراقبين.ورغم الحملة الشعواء التي استهدفته من مليشيا «حزب الله» العراقي التي اتهمته علانية بالتواطؤ في اغتيال الرجل الثاني في مليشيا الحشد أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني في عملية أمريكية قرب مطار بغداد، إلا أن الرجل تمكن من تشكيل الحكومة رغم كل الاتهامات، بعد مرور نحو 6 أشهر من الفراغ السياسي. في بداياته، كان الكاظمي وهو مواليد بغداد عام 1967 صحفياً وناشطاً مناهضاً للرئيس السابق صدام حسين من أوروبا التي لجأ إليها هرباً من النظام الدكتاتوري. وعاش سنوات في المنفى لكنه لم ينضم إلى أي من الأحزاب السياسية العراقية. وبعد سقوط نظام صدام في 2003، عاد الكاظمي إلى العراق ليشارك في تأسيس شبكة الإعلام العراقي. الكاظمي رئيس الوزراء السادس بعد فترة الحكم الانتقالي، والصحفي والكاتب الذي أصبح رئيسا لجهاز المخابرات العامة، لم يكن حزبيا ولم يحسب على جهة بعينها، حتى الاتهامات التي طالته بولائه للولايات المتحدة استندت إلى كونه عمل صحفيا وكاتبا في موقع «المونتور» الأمريكي قبل أن يصبح رئيسا لتحرير مجلة «الأسبوعية» التي يملكها الرئيس برهم صالح إلى أن عينه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي رئيسا للمخابرات العامة في يونيو 2016 في عز المعارك ضد «داعش».. لمع اسم الكاظمي بعد أن ترأس جهاز المخابرات، إذ تمكن من إقامة شبكة علاقات مع الدول الغربية التي تعمل ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة. وبدأ واضحا دعم واشنطن له عندما وصفه مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر بالرجل الذي أثبت في وظائفه السابقة أنه شخص كفء فيما نعته قصر الإليزيه في باريس بالرجل الذي يعد مكسبا للعراق. يتمتع الكاظمي بعلاقات جيدة مع غالية أطراف المعادلة السياسية في العراق وليس محسوبا على جهة ما ويتعين عليه وفقا لخطاب الثقة الذي عرضه أمام البرلمان إخراج العراق من أزمته الاقتصادية الطاحنة ومفاوضة واشنطن بشأن الإعفاءات الأمريكية للعراق من العقوبات على النظام الإيراني. بيد أن المشكلة الكبرى التي ستواجه الكاظمي هي ضبط فوضى السلاح في العراق، وهو من قال في أول خطاب له: إن الأسلحة يجب أن تكون في أيدي الحكومة فحسب، معلنا أن الأهداف الأساسية لحكومته تتمثل في «محاربة الفساد وإعادة النازحين إلى ديارهم». وشدد على أن إجراء حوار جاد مع الولاياتالمتحدة بشأن وجودها العسكري في البلاد، سيكون أولوية لحكومته، رافضا أن يكون العراق «ساحة لتصفية الحسابات». الأيام أو الأشهر القادمة وحدها كفيلة بإثبات إلى أي مدى سينجح الكاظمي في مهمته الصعبة، وإلى أي مدى ستتركه إيران ووكلاؤها في العراق يعمل من أجل لصالح العراق وليس من أجل صالح الطائفة.