للمرة الأولى بعد فراغ سياسي طويل، يبدو أن العراق يقترب من تحقيق توافق وطني حول تشكيل حكومة عراقية جديدة، أمام ما يبدو شبه توافق داخلي وخارجي على شخص رئيس الوزراء المقبل، حيث أكد رئيس الوزراء العراقي المُكلف، "مصطفى الكاظمي"، أن حكومته باتت جاهزة وستكون مهمتها ابعاد العراق عن كونه "ساحة حرب" للصراعات الاقليمية مع حرصه على فتح حوار وطني حقيقي بين مختلف الاطياف العراقية. وبعد أربعة أشهر على استقالة عادل عبدالمهدي ووصول التوتر بين اللاعبين الإقليميين والداخليين في العراق الى الذروة، ينجح الكاظمي في انتزاع قبول مختلف اللاعبين في العراق وهو الرجل القادم من خلفية اكاديمية واستخباراتية، وحقوقية في العراق وفي المنفى في بريطانيا وألمانيا كما كان للكاظمي تاريخ في تحقيق التوافقات في العراق في السابق كرجل استخبارات ما يجعل الحاجة إليه ملحة بنظر كثر في المشهد العراقي في الوقت الحالي. ومع اعراب أطراف عراقية داخلية مثل زعيم التيار الصدري "مقتدى الصدر"، وائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، عن قبولهم بترشيح الكاظمي والمشاركة في وزارته، أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، "ديفيد شينكر"، في مؤتمر عبر الهاتف مع الصحفيين في مطلع الشهر الجاري، إن المُكلف بتشكيل الحكومة العراقية، "مصطفى الكاظمي"؛ "إذا كان قوميًا عراقيًا مُلتزمًا بتحقيق السيادة للعراق ومحاربة الفساد، فسيكون ذلك أمرًا عظيمًا للعراق"، مردفًا: "نعتقد أنه سيكون رائعًا لعلاقتنا الثنائية". وعلى الرغم من اتهامات دارت في العراق قبل أشهر بأن "الكاظمي" هو رجل استخبارات مقرّب من الولاياتالمتحدة وعلم عن مقتل "قاسم سليماني" قبل الهجوم الأميركي، يؤكد الكاظمي بأنه سيكون رجل العراق بامتياز ولن يعبّر عن أي مصالح الا المصالح العراقية. جريدة الرياض أجرت حوار من واشنطن مع السياسي العراقي هوكر أحمد على دزه يي، المقرب من مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء المكلّف، للحديث عن معالم الحكومة التي يسعى الكاظمي لتشكيلها، وشكل العراق في المرحلة المقبلة بكل تحدياتها مع احتدام الصراعات الاقليمية والداخلية في العراق بعد مقتل سليماني ودور الولاياتالمتحدة المستقبلي المحتمل في العراق بعد أزمة وباء كوفيد - 19 التي تشغل الولاياتالمتحدة وتستنزف مواردها. منذ العام 1993 وبعد انسحاب القوات العسكرية العراقية من كردستان (شمال العراق) وتكوين منطقة حظر طيران فوق كردستان، أسهم هوكر كسياسي ورجل أعمال عراقي في إعادة اعمار شمال العراق، ليلعب بعد العام 2003 دوراً في التنسيق مع قوات التحالف والبنتاغون لتدريب وتسليح العراقيين ما أدى الى تشكيل ما يعرف بالفوج 36 والذي أصبح فيما بعد نواة للقوات الخاصة وجهاز مكافحة الارهاب في العراق. وفيما يلي نص الحوار: *ما الجديد في ترشيح الكاظمي وهل من حلول جديدة سيأتي بها إلى العراق؟ -نجح الكاظمي بالحصول على إجماع معظم القوى السياسية السنية والكردية والشيعية في العراق فالكاظمي وبالمقارنة مع المرشحين الآخرين أثبت قدرته على كسب قبول معظم الأطياف العراقية ما عدا «كتائب حزب الله العراقي» التي فشلت أصلاً في إيصال مرشحيها الى رئاسة الوزراء بسبب معارضة العراقيين لهم، ولكن في نفس الوقت هناك صعوبات غير عادية تواجه الكاظمي كمرشح جديد للحكومة في ظل انخفاض أسعار النفط وتفشي وباء كورونا وبالتالي نراه يركّز في مهامه ووعوده على مكافحة الفساد واعادة ترتيب البيت الداخلي ومحاولة إصلاح الوضع الاقتصادي. *تبدو واشنطن مطمئنة لترشيح «الكاظمي».. ما سر ذلك ؟ -واشنطن تعرف الكاظمي والمقربين منه كأشخاص على كفاءة ومهنيين حيث نجحوا في ادارة جهاز المخابرات وذلك بحسب كلمات ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بالإضافة الى أن الكاظمي يتمتع بعلاقات متوازنة مع جميع الأطراف مثل الأكراد والدول الاقليمية ورأينا هذا من خلال توافق المكونات السياسية في مراسيم تكليفه بعد مخاض سياسي عسير في فترة يعاني منها العراق من انقسامات شديدة. واشنطن تثق أيضاً في قدرة الكاظمي على قيادة العراق الى بر آمن في هذه المرحلة المتوترة بما في ذلك اقناع إيران بالتهدئة في المنطقة في وقت بالإمكان فيه تحقيق ذلك أمام الصعوبات التي تواجهها إيران. *الخارجية الأميركية على لسان ديفيد شنكر اشترطت على العراق حماية القوات الأمريكية لاستمرار الدعم الأمريكي السخي كما وصفه، iهل ستكون العلاقة الأمريكيةالعراقية أفضل مع الكاظمي؟ -وزير الخارجية لشوون الشرق الأدنى قال إن رئيس وزراء عراقي وطني ملتزم بتحقيق سيادة بلاده سيكون خيارا جيدا بالنسبة لها. وبالتالي واشنطن مستعدة لتبني مفهوم احترام التعاون والتوازن المتبادل مع الجيران والأصدقاء وأعتقد أن هذا سيقود الى علاقة عراقية أفضل مع واشنطن. ولنتذكر أن وصول الكاظمي يعتبر تراجعا ملحوظا للنفوذ الايراني السياسي داخل العراق حيث فشلت إيران بعد عدة محاولات في فرض مرشحيها المدعومين من إيران بعد المظاهرات التي عمت أرجاء البلاد وعبر فيها المتظاهرون عن رفضهم لخيارات ايران وهذا سيعطي الكاظمي المزيد من الدوافع لاتخاذ قرارات عراقية خالصة لا تصب في مصالح إيران حيث قال الكاظمي في أحد خطبه «مطالبات المتظاهرين دين في أعناقنا». ويعد الكاظمي أيضاً بحصر السلاح بيد الدولة العراقية وهذا يعني تهديد أقل لقوات التحالف في العراق. *كيف سينعكس تسلم الكاظمي لرئاسة الوزراء على سياسة العراق الداخلية والخارجية؟ * من الأمور التي ستساعد العراق على الخروج الى عهد جديد أكثر سيادية في عهد «الكاظمي» هو كون الرجل شخصية متوازنة، لم تعاد أحدا وهذا سيقود الى تفكيك الازمات السياسية الداخلية الفعلية والمفتعلة التي هوت بالعراق وأخذته الى ما الت اليه الأمور. أيضاً هذا التوافق عليه من الدول الغربية قد يقود إلى منافع داخلية وخارجية للعراق خاصة فيما يتعلق بمد يد العون الى العراق بعد اعادة بناء ثقة دول التحالف مع الدولة العراقية الأمر الذي كان قد بدأ ينعكس كما رأينا من التصريحات الأميركية على مستقبل المساعدات الأميركية للعراق فالعراق اليوم بأمس الحاجة الى الدعم لتمكين بناه التحتية الصحية والاقتصادية فالوضع الاقتصادي العراقي كان قد قاد الشباب خلال العام الماضي الى احتلال الشوارع للاحتجاج وبالتالي بإمكاننا التخيل مدة مأساوية الوضع اليوم بعد أزمة كورونا التي تضرب حتى الاقتصادات القوية. بإمكان الكاظمي أيضاً حل الكثير من مشكلات العراق مع دول الجوار عبر حكومته غير المنحازة لإيران وهو أمر يحتاجه العراق اليوم بشدة. *العراق محكوم باتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة، في ظل تهديد الفصائل المسلحة لتواجد القوات الأميركية حتى أننا بتنا نسمع حديثا متكررا عن خروج القوات الأميركية من العراق. كيف تكون ملامح هذا التواجد في المستقبل؟ -الكاظمي ومعظم الأطراف العراقية يدركون أن انسحاب القوات الأمريكية سيكون له تداعيات كبرى على العراق في المديين القصير والبعيد، فالقوات العراقية ستفقد ملايين الدولارات التي تتلقاها لأجل التسليح والتدريب كما ستفقد التدريب والاستشارات والغطاء الجوي والمعلومات الاستخبارية والتعاون الأمني ضد تنظيم داعش وهذا يعني انهيار الوضع العسكري والأمني في العراق من عدة جوانب. وستكون من مسؤوليات الحكومة المقبلة إجبار الجهات المحسوبة على إيران في البرلمان على تخفيف حدة لهجتها تجاه الولاياتالمتحدة، فترمب كان صريحاً وقال إنه مستعد للخروج من العراق في مرحلة ملوحاً بذات الوقت بفرض عقوبات على بغداد. الكاظمي يحظى بقبول دولي