اذا كانت الأيام الأولى من عام 1999 شهدت في العراق مراجعة لما احدثته عملية "ثعلب الصحراء" التي وجهت خلالها الولاياتالمتحدة وبريطانيا ضربات صاروخية وجوية لأهداف منتخبة، فان الايام الاخيرة من العام تشهد استعدادات عراقية لمواجهة عسكرية محتملة رجحها رفض أولي لقرار مجلس الأمن 1284 الذي يشير الى رفع للعقوبات مقابل عودة المفتشين وفتح ملفات اسلحة الدمار الشامل العراقية. وكانت السياسة العراقية ربطت مواقفها وعلاقاتها مع اطراف عربية وإسلامية ودولية بموقف تلك الاطراف من عملية "ثعلب الصحراء" التي اعتبرتها بغداد اكثر من محاولة للرد على قرارها طرد المفتشين الدوليين ورأت فيها محاولة للاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين. وكشفت الأيام الأولى من العام 1999 حملات اعلامية عراقية هاجمت مواقف دول عربية وطاولت فرنسا التي اعتبر نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز انها تتخذ "موقفاً انتهازياً" من الهجوم الأميركي على العراق. والهجوم العراقي على الدول العربية اتخذ اكثر اشكاله وضوحاً مع انسحاب وزير الخارجية محمد سعيد الصحاف من اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذي عقد في كانون الثاني يناير، واتهامه الدول العربية بالخضوع للنفوذ الاميركي. وهو ما رفضه الأمين العام للجامعة الدكتور عصمت عبدالمجيد الذي وصفته بغداد بأنه مرتهن لمواقف الدول المعادية لها. وكان اغتيال آية الله محمد صادق الصدر، الشخصية الشيعية البارزة في العراق، فتيلاً اشعل صدامات واسعة في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب مع الاجهزة الأمنية، هاجم خلالها عراقيون غاضبون مباني ومقرات الحزب والأمن والمخابرات، وهو ما اعترف به مسؤولون حزبيون عراقيون على رغم من تأكيدهم ان تلك الهجمات كانت تهدف الى "اشعال الفتنة". وشنت الاجهزة الأمنية اثر ذلك حملات شرسة لاعتقال انصار الصدر. وفي آذار مارس كانت اخبار بغداد تشير الى "مصالحة" بين عدي وعمه برزان التكريتي الذي كان عاد من جنيف حيث كان يشغل منصب سفير العراق في المقر الأوروبي للأمم المتحدة. بينما شهدت علاقة التكريتي بقيادة صدام "هزة" تمثلت في الاعلان مع اوائل شهر ايلول سبتمبر عن هروبه الى جنيف مجدداً، وليعود الى بغداد بعد رفض الحكومة السويسرية تجديد إقامته ليوضع تحت "الاقامة الجبرية"... الى ظهوره المفاجئ في الأسبوع الاخير من العام الحالي الى جانب صدام مع اخويه وطبان وسبعاوي خلال تكريم كبار المسؤولين في بغداد. وأشعل اغتيال جماعة "مجاهدين خلق" نائب رئيس الاركان الايراني الجنرال علي صياد شيرازي مواجهة كلامية بين بغداد وطهران التي تحمل العراق مسؤولية دعم وإسناد وإيواء الجماعة الايرانية المعارضة. واثر عدد من الضربات الصاروخية وحوادث الانفجارات التي استهدفت مواقع وحركة عناصر "مجاهدين خلق" في بغداد، توقفت موقتاً عمليات التطبيع العراقي - الايراني لتتواصل بعد اشهر على رغم الهجوم الحاد الذي شنه صدام على ايران في خطاب القاه في شهر آب اغسطس في الذكرى الحادية عشرة لتوقف الحرب معها. وفي تموز يوليو شهدت منطقة الرميثة في محافظة السماوة المثنى مواجهات كبيرة مع مجموعات من الأمن الخاص وميليشيات الحزب والأمن، هاجم خلالها افراد من عشيرة "بني حجيم" تلك المجموعات وقتلوا منها اكثر من 50 فرداً، ليجتمع على اثرها علي حسن المجيد قائد المنطقة الجنوبية بعشائر المحافظة ويهدد شيوخها ب"قرى مدمرة". وفي آب اغسطس شهد ملف ارتكاب المسؤولين في نظام الرئيس صدام حسين جرائم بحق الانسانية تصعيداً من خلال دعوة منظمة العفو الدولية السلطات النمسوية القاء القبض على نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت الدوري الذي كان يزور فيينا للعلاج، وهو ما دعا بغداد الى اعادته سريعاً الى البلاد. في الاطار ذاته الغى نائب رئيس الوزراء طارق عزيز زيارة روما للاشتراك في ندوة دولية، خوفاً من تقديم ناشطين عراقيين في مجال حقوق الانسان دعوى للقبض عليه "لمسؤوليته عن ارتكاب جرائم ضد الانسان في العراق". وواجهت زيارة البابا المرتقبة الى العراق شكوكاً منذ الاعلان عنها، حتى صدور بيان من الفاتيكان يعلن عدم تمكن البابا من زيارة العراق "لأن العراق يعيش ظروفاً غير طبيعية". وضمن التصفيات التي شهدها نظام الرئيس صدام حسين، اعلنت بغداد "وفاة" مدير جهاز المخابرات رافع دحام التكريتي. وبعد اعلان واشنطن انها ستمنع قوات صدام من التحرك جنوباً اثناء مؤتمر للمعارضة العراقية في نيويورك، صاغ من خلاله "المؤتمر الوطني" هياكله التنظيمية وأقرّ خطابه السياسي الذي يؤكد ان التغيير شأن عراقي وستنجزه "قوى الداخل"، اعلن وزير الدفاع الاميركي وليام كوهين من القاهرة ان مناورات "النجم الساطع" جزء من سياسة احتواء النظام في العراق. واتسمت تحركات قوى المعارضة العراقية بالاختلاف حول ما يسمى ب"المشروع الاميركي". ففي الوقت الذي اعتبرت القوى والاحزاب والحركات المنضوية في "المؤتمر الوطني" الموقف الاميركي عاملاً دولياً مساعداً للتغيير، شكك "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" والحزب الشيوعي و"حزب الدعوة" بموقف الولاياتالمتحدة، مع التذكير بأهميته في ما يخص الشأن العراقي. وشهدت نهاية السنة تبني مجلس الأمن مشروع القرار رقم 1284 بعد قرارين بتمديد العمل ببرنامج "النفط للغذاء" لأسبوعين ثم لأسبوع على التوالي، في حين نددت بغداد بالقرار من دون ان تحدد موقفاً واضحاً برفضه او قبوله.