سيكون السفر في مرحلة ما بعد «كوفيد-19» أحد أبرز القطاعات التي ستشهد تغييرات جذرية. ولن يكون وحده في ذلك؛ إذ بات مستقبل التعليم، والصحة، والحياة الاجتماعية ضبابياً جداً، بُعيد انتهاء جائحة فايروس كورونا الجديد. ومتى تنتهي الجائحة؟ لا أحد يعرف على وجه التحديد. غير أن المتخصصين والعامة يجمعون على أن نهايتها رهينة باكتشاف دواء أو لقاح. ومع أن غالبية الخطوط الجوية في دول العالم تربض طائراتها في المطارات، بانتظار الغد المأمول؛ إلا أن بعض الشركات التي لا تزال تعمل، وإن بمستوى منخفض، بدأت تستعد لما أضحى يعرف ب«عصر ما بعد كوفيد-19». وأتاح ذلك قدراً من المعلومات التي تكفي على ضآلتها لرسم ملامح السفر الجوي في المرحلة القادمة. ولا بد من القول إن من أبرز خصائص «الواقع الجديد» في مطارات العالم فحص دم المسافر للتأكد من عدم إصابته بفايروس كورونا الجديد. وكان مطار دبي هو الأول في العالم الذي ابتدر هذه الترتيبات، وتبعه مطار هونغ كونغ، إذ يستغرق ظهور نتيجة الفحص ما يصل إلى 12 ساعة. وطالب مدير مطار هيثرو البريطاني جون هولاند-كاي الأسبوع الماضي الحكومة البريطانية ببذل جهود عاجلة للتوصل إلى معايير دولية مشتركة للاختبارات الصحية الخاصة بالمسافرين. وتشترط السلطات التايلندية على القادمين جواً إلى مطارات البلاد أن يحمل كل منهم «شهادة صحية» تثبت أنه «لا يمثل خطراً من حيث انتقال عدوى الإصابة إليه»، على أن تكون الشهادة قد صدرت قبل 72 ساعة من هبوط المسافر في تايلند. كما أن السلطات التايلندية تشترط على كل مسافر إلى البلاد أن يحمل «وثيقة تأمين» تغطيه حيال مخاطر مرض كوفيد-19، بما قيمته 100 ألف دولار. هل يغطي التأمين «كوفيد-19» ؟ يقول الخبراء إن وثائق التأمين على السفر ستشهد ارتفاعاً كبيراً في قيمتها، بعد أن توافق شركات التأمين على اعتماد تغطية مخاطر الإصابة بمرض (كوفيد-19). ولا تغطي الوثائق السارية حالياً هذا المرض. ولم تعلن شركات التأمين أي نية لإصدار وثائق تأمين جديدة معدلة. ويقول خبراء في هذا المجال إن شركات التأمين تتوقع نحو 400 ألف مطالبة بتعويضات عن إلغاء رحلات بسبب الجائحة، تصل قيمتها إلى 343 مليون دولار. وبات مفروغاً منه أن التأمين على المسافر ستكون كلفته باهظة جداً إذا كان المسافر مُسنّاً. وتوقع الخبراء أن تريث شركات التأمين في إصدار وثائق جديدة لتغطية مخاطر الإصابة ب«كوفيد-19» إلى حين ظهور دواء أو لقاح. كما أن مطارات العالم ستُخضع الأمتعة التي يحملها المسافرون جواً للتعقيم (Sani-tag)، بعد تطهيرها قبل نقلها إلى الطائرة. وستتوافر بالمطارات مزيد من أجهزة الفحص الأمني، مما قد يلغي الداعي لإزالة اللابتوب والسوائل من أمتعة الركاب. وسيُنشر في المطارات مزيد من الأجهزة التي تستخدم تكنولوجيا التعرف إلى الوجوه، ما سيعني عملياً تسريع إجراءات الهجرة، وتقليص إجراءات فحص جوازات السفر. وتشير إحصاءات مركز يوروكونتول الذي يتولى تنسيق الحركة الجوية في القارة الأوروبية إلى أن «كوفيد-19» تسبب في توقف 67% من الطائرات في العالم. ويمثل ذلك نحو 17 ألف طائرة. وتقول منظمة «إياتا» (الاتحاد الدولي للنقل الجوي) إن شركات الطيران ستخسر هذا العام ما قد يصل إلى 312.6 مليار دولار؛ جراء جائحة فايروس كورونا الجديد. وقالت إن ذلك سيؤدي إلى فقدان 25 مليون وظيفة في أنحاء العالم. الطيران والسياحة الخاسران الكبيران ستعني تبعات الجائحة أيضاً تقليص مساحة إضافية على متن الطائرات، لتخصيص مساحة لأجهزة التطهير والتعقيم. وستضطر الشركات إلى تخصيص موازنات لشراء مسحات التطهير لتوزيعها على المسافرين قبل وبعد صعودهم إلى الطائرة. كما أنه سيتعين على الشركات تغيير رأس كل مقعد على متن الطائرة من وضعه الحالي إلى مادة بلاستيكية. ولضمان الالتزام بالتباعد الجسدي على متن الرحلات، لن تقدم شركات الطيران وجبات، ولا مشروبات. وسيتم خفض الوزن المسموح به لقطعة المتاع التي يسمح للمسافر باصطحابها معه على متن الرحلة، وذلك لمنع المسافرين من الاقتراب من رؤوس المسافرين الآخرين لوضع أمتعتهم في مساحات التخزين المخصصة لها أعلى المقاعد. وفي الصين، أمرت السلطات شركاتها الوطنية بتخصيص مقاعد منعزلة على متن الطائرة لمسافرين مصابين بمرض (كوفيد-19). وبالطبع فإن ما يشهده عالم الطيران المدني من أوضاع قاتمة ينطبق على السياحة أيضاً. فقد بات لزاماً على الوجهات السياحية أن تشترط الالتزام بالتباعد الجسدي، ما سيعني أن العدد المسموح به لارتياد المطاعم سيتضاءل. كما أن بلداناً عدة يتوقع أن تعلن عدم ترحيبها بالسياح. وسيشترط بعض البلدان أن يقضي السياح فترة عزل صحي تستغرق 14 يوماً بعد وصولهم، وذلك معناه نهاية السياحة بمعناها التقليدي.