النموذج السعودي في مواجهة «كورونا» يُحتذى بعض وسائل الإعلام تعمدت الإرجاف بين الناس «الجائحة» صالحت بين البشر وأقنعتهم أن مصيرهم واحد بعض الدول استغلت الأزمة سياسياً وثقافياً واقتصادياً يحوّل الكاتب عبدالله بن بجاد أفكاره إلى كلمات توقظ الوجدان برفق، ويمخر ببراعة ربان محيط تحولات متلاطم الأمواج، ويصمم مفاهيمه كما ينظم الجواهرجي المبدع قلادة اللؤلؤ ثقيلة الوزن باهظة التكلفة. يجمع ضيفنا بين سلاسة الطرح، ومهارة التسلسل، واستخلاص النتائج بثقة واقتدار. يضعنا صائد سحر البيان أمام تصورات مستقبلية، وتحليلات للتحالفات والسياسات مبدياً ل«عكاظ» سعادته بالقوانين والتشريعات التي أخرست التنظيمات المتطرفة، ويثمن للمملكة إدارة الأزمات بتفوق ملموس على منظومة العالم الأول، ويرى أن الرعب وازن بين أقطاب العالم، وهنا نص الحوار: • بماذا تصف جائحة كورونا وما أبرز تجلياتها ثقافياً؟ •• جائحة كورونا هي وباء عالميٌ مخيفٌ وسريع الانتشار، وهو إلى الآن بدون أي علاجٍ أو لقاحٍ يشفي أو يقي منه، ولذلك فقد أغلق فايروس واحد عالمنا كلّه، والحلول المطروحة حتى الآن غير مجدية، وسينتقل ضرره للاقتصاد وتأثيره للسياسة وستشغل بقاياه البشر لسنواتٍ قادمةٍ، وستظهر تغيراته على كل جوانب «العولمة» وسيكون أثره مباشراً على النقل الجوي. وثقافياً سيثير الكثير من الجدل حول أفكارٍ كانت مستقرةً لزمنٍ ليس بالقصير، مثل العلاقة بين الدولة والفرد والعلاقة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك سيثير أسئلة مهمةً عن مفاهيم مثل الحقوق والحرية ونحوها، كما سيعيد ترتيب الأولويات في العالم أجمع. • هل أحدث كورونا تغييراً في موازين القوى؟ •• نعم، يكفي أنه أجبر الجميع على إغلاق غالبية دول العالم، وضرب وسائل المواصلات، وفرض منع التجول وتطبيق الحجر الصحي والعزل المنزلي على الناس وإيقاف الأعمال والوظائف، فهو إلى الآن قد أحدث تغييرات كبرى حول العالم، ولكن التغييرات التي ستأتي في المستقبل ستكون أكبر حجماً وأعمق تأثيراً وأوسع انتشاراً. • كيف تقرأ دور المملكة في إدارتها للأزمة؟ •• ليس مجاملة يعلم الله، ولكنه ما يقوله الواقع ويتناقله العالم، النموذج السعودي في مواجهة كورونا هو بالفعل نموذج يحتذى إن في سرعة الاستجابة الشاملة للفايروس داخلياً، وإن بقيادة العالم بأسره لمواجهة حقيقية ومؤثرةٍ مع الفايروس من خلال قيادة قمة العشرين التي ترأسها السعودية هذه السنة، وهو ما استدعى إشادات من زعماء العالم ومفكريه في كافة المجالات، تخيّل فقط ما صنعته السعودية لشعبها بحيث منحت الأغلبية إجازاتٍ مفتوحة مع استمرار رواتبهم، ثم عرّجت على القطاع الخاص وتكفّلت بما يقارب ثلثي رواتب الموظفين، وقدمت دعماً بالمليارات لكل القطاعات التي يقوم عليها الاقتصاد، وتكفلت بتوفير كل السلع الرئيسية مع المحافظة على الأسعار، وأسقطت كثيراً من الديون وأجّلت بعضها وتحديداً على الطبقات المتوسطة والدنيا في المجتمع، وغير هذا كثير. • ما دلالة استجابة الشعب السعودي للتوجيهات والتعليمات؟ •• السعودية دولة مستقرةٌ بقيادتها وبشعبها، والشعب السعودي لم يزل يترقى في مدارج العلم والحضارة وهو يقف صفاً واحداً خلف قيادته لتحقيق رؤية 2030 لأنه مؤمن بهذه الرؤية ومشارك فيها بحماسة ويراهن مع قيادته على المستقبل الأكثر إشراقاً، ومن هنا كانت استجابته لكل توجيهات الدولة ومؤسساتها المعنية كوزارة الصحة ووزارة الداخلية وغيرهما استجابة واضحةً، ولا يشكل على هذا تصرفات بعض الأفراد النشاز غير المسؤولة في مخالفة الأوامر، والقانون لهم بالمرصاد وهم عموماً يمثلون الشذوذ الذي يثبت القاعدة ولا ينفيها. • لماذا لم تهدأ بعض القنوات عن التحريض والإثارة برغم هدوء العالم بأجمعه؟ •• هذا أمرٌ بالغ الأهمية، فالتوازن في نقل الأخبار أصبح سلعةً نادرةً هذه الأيام، فبعض وسائل الإعلام المهمة أخذت في الإرجاف بين الناس بعرض أسوأ الأخبار وأكثرها قتامةً وحجب الأخبار التي تحمل أي بعد إيجابي أو عرضها بشكل سريعٍ تغيب فيه في بحر الأخبار السيئة، والمطلوب هو التوازن في مواجهة هذا الوباء بما يعرض الحقائق للناس ويدفعهم للحذر الشديد والتعامل بكل جدية مع الفايروس ولكن ليس إلى الدرجة التي تشعرهم بنهاية العالم وانقضاء الحياة وفقدان كل أملٍ، فهذا ليس له اسمٌ إلا الإرجاف. • أين يقع الخطاب المتطرف من هذه الأزمة؟ •• القرارات التي تستشرف المستقبل وتقوم على رؤية متكاملة للتطوير تجد الدول والشعوب أثرها واضحاً عند أول أزمة خطيرةٍ وقد قامت الدولة السعودية وفي خطوةٍ استباقيةٍ بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعةً إرهابيةً ومعها كل مثيلاتها من جماعات الإسلام السياسي وأصدرت القوانين والأنظمة التي تجرّم كل من ينخرط في هذا الجماعات ويروج خطابها ويواليها، وتمّ تطبيق تلك القوانين على رموز من هذه الجماعات يخضعون للمحاكمة ولم تزل تلاحق كل ما ينتج من محتوى في القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبق القوانين على الجميع، وهو ما جعل الأصوات المتطرفة تخرس عن إشاعة أي فتنةٍ أو استغلال أزمة كورونا ضد الدولة والشعب، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. • متى استشعرت الطمأنينة التامة بأن الوباء سيصبح من حديث الماضي؟ •• لم أستشعر بعد أي طمأنينة تامةٍ فهذا أمرٌ سيحدث بالتأكيد في المستقبل، ولكن لا أحد يعلم متى بالتحديد، والأولوية اليوم هي لاتباع التوجيهات الطبية والصحية الصادرة من المؤسسات المعنية من التزام العزل المنزلي والبقاء في البيوت والعناية بالنظافة الدائمة والتعقيم المستمر، والامتناع عن الاختلاط بالآخرين ما لم تكن هناك ضرورةٌ قاهرةٌ لا يستطع الإنسان تركها. أما أن فايروس كورونا المستجد سيصبح جزءاً من الماضي فهذا أمرٌ سيحدث بالتأكيد لأنه ليس بدعاً من الفايروسات التي سبقته، وبعضها أخطر منه وتفوّق عليها الإنسان بالعمل والعمل. • هل سيكون عالم ما بعد كورونا مختلفاً ومغايراً لما قبله؟ •• نعم، سيكون مختلفاً وستحدث فيه تغييرات كبرى كما سبق في الإجابات أعلاه، أما حجم ذلك التغيير وطبيعته فلا أحد يستطيع تحديده اليوم، أما من يزعمون أن العالم سينقلب على نفسه وستخرج قوى جديدة تقضي على الدول الكبرى اليوم فذلك زعمٌ لا يسنده علمٌ ولا تثبته أي شواهد حتى وصل الأمر بالبعض للزعم بانتهاء الحضارة الغربية المعاصرة وصعود التجربة الصينية في عالم ما بعد كورونا، وهذا الزعم ليس له ما يدعمه إلا التفكير الرغبوي لدى بعض أيتام اليسار حول العالم وحلفائهم، ويكفي أن الصين ليس لديها مبادئ فلسفية أو إنسانية قادرة على إقناع العالم وثقافاته المختلفة بأحقيتها الأخلاقية والفلسفية لتشكل قيادة جديدةً لعالم جديدٍ. • إلى أي مدى تشعر أن كورونا صالح بين الشرق والغرب؟ •• كورونا صالح بين البشر لأنه أقنعهم بأن مصيرهم واحدٌ ومستقبلهم مشتركٌ، وأعاد الاعتبار للقيم الإنسانية السامية، والنماذج لا تحصى ويكفي استحضار إعلان الشركة التي تمتلك حقوق الملكية الفكرية لصناعة أجهزة التنفس الاصطناعي عن تنازلها عن حقوقها كاملةً ونشرها لكل تفاصيل طريقة تصنيعها لكل العالم، ولكن ومن جهة أخرى فقد أثار كورونا تنافساً محموماً وبالذات بين الدول للبحث عمّن يمكن أن يستفيد سياسياً وثقافياً واقتصادياً من هذه الأزمة، وهذا إن بقي في إطاره الحالي فهو تنافس طبيعيٌ ومفيدٌ للجميع. • هل تجمع ثقافة الخوف بين المتنافرين؟ •• نعم بالتأكيد، فالضغوطات الكبرى تجبر الجميع على التخلي عن الخلافات الصغيرة، كما تجمع الكثير من الناس الذين لا يجمعهم العقل والمصلحة على الانتباه لمصيرهم المشترك ومستقبلهم الموحد، خصوصاً أن تهديد فايروس كورونا لا يتعلق بكماليات الناس ورفاههم بل يتعلق بصحتهم وبحياتهم على هذه الأرض. • ما رسالتك بصفتك الفكرية والثقافية للنخب في بلادنا والشباب في ظل رهبة الجائحة. •• أبداً لا أرى نفسي ناصحاً لأحد، ولكنني أشدد على الحذر الشديد الذي ينبغي أن يتبعه الجميع، واتباع إرشادات الدولة ومؤسساتها دون اجتهاداتٍ فردية غير موفقة قد تودي بصاحبها إلى الوقوع في المحذور والتعرض للعقوبة، كما أشدد على أن الحذر لا يعني الهلع، فالحذر عقلانيٌ ولكن الهلع انفعال عاطفي يضرّ أكثر مما ينفع. • هل من جملة أخيرة؟ •• أقدم التحية لصحيفة «عكاظ» التي تقفز قفزات واعية ومؤثرة وتحجز لنفسها مكاناً دائماً في المقدمة.