في مؤتمره الصحافي اليومي، وتحديدا الإثنين الماضي، علق المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور محمد العبدالعالي، تعليقا ملفتا حول تزايد أعداد الإصابات بفايروس كورونا المستجد في السعودية مؤخرا. يقول الدكتور العبد العالي، نصا: «ليس ما نريده الآن كثيرا أن نراقب الأرقام أكثر من أن نراقب التزامنا بالتعليمات والإرشادات.. هذا هو المهم في هذه المرحلة». وهذا صحيح، ومهم، ليس الآن، بل ومنذ حدوث الجائحة. وسبق أن كتبت في 9 مارس الماضي بعنوان: «كورونا.. الرجاء الهدوء» محذرا من خطورة الهلع الإعلامي ما نصه: «لا أعلم ما الذي يهم المتابع عندما تتوالى العواجل الإخبارية، لتقول لنا عن تسجيل أول حالة إصابة بفايروس كورونا في مالطا، أو بولندا، أو ارتفاع نسبة الوفيات في الصين، وعلى مدار الساعة! وتلك أخبار يمكن تغطيتها في تقرير مفصل، ومخصص، عبر إحدى نشرات الأخبار». وليس المطلوب التغافل عن الأرقام، بل وضعها بسياقها، حيث كتبت في 6 أبريل بعنوان: «كورونا والإعلام»، عن ذلك ما نصه: «الخبر ليس برصد الأعداد بشكل مثير للذعر، وإنما جهود وقف سرعة انتشار الفايروس. والتغطية ليست بتحويل الشاشات إلى عداد وفيات، لأن هناك متعافين، ومنهم كبار سن. والإعلامي الخبير يعرف أن الأرقام تخدع، والمهم السياق، والتوظيف». خطورة الهوس بالأرقام أنه يشتت المتابع عن الصورة الكبرى، وهي كيفية التعامل مع الجائحة لأن لكل مجتمع ظروفه، حتى أن منظمة الصحة العالمية، والتي في حاجة لتقصٍ إعلامي أيضا، وتلك قصة أخرى، أعلنت، أي المنظمة، بأن المعايير التي ستقدمها لتخفيف القيود ستكون خاضعة لظروف كل دولة. الهوس بالأرقام يشتت جهود المسؤول، وتركيز المتابع، بسبب إثارة الهلع، ويصعب فرصة ترتيب الأولويات. في الخليج، مثلا، اتضح لكثر الآن أن الأزمة تنصب حاليا حول الواقع المعيشي للعمالة الوافدة، من سكن، وتجمعات، مما يتطلب مناقشة جادة، وقرارات مستعجلة. كما أن الهوس بالأرقام يغفل مناقشة تداعيات الجائحة اقتصاديا، وهو أمر بالغ الأهمية، هذا عدا عن إغفال قصص إنسانية مستحقة. وليس مطلوب من الإعلام أن يتجمل، لكن على الإعلام أن لا يتحول إلى فزاعة، حيث يفترض بالإعلام أن يكون عاملا من عوامل تشكيل المناعة للمتلقي، وذلك بالمهنية المتزنة، خصوصا أن المتلقي بات مثقلا بهموم هذه الجائحة، ولأسباب مختلفة. ختاما، يقول المتحدث باسم الصحة إن «على الجميع أن يتقيدوا، ويلتزموا، ويراقبوا أنفسهم أكثر من أن يراقبوا الأرقام»، فهل يفعل بعض إعلامنا ذلك، احتراما للمهنية، والأهم من كل ذلك مراعاة لمصالح الناس، وجهود الدولة؟! [email protected]