تحولت أجهزة التنفس ال150 التي اشترتها حكومة كاستيّا لامنتشا في إسبانيا لمواجهة فايروس كورونا المستجد، وطال انتظارها، إلى كابوس، بعد أن كانت محجوزةً في تركيا، إذ يقول أطباء التخدير في المنطقة إن هذه المعدات ليست ذات جودة، إضافة إلى أنها متنقلة (أي أنها غير ملائمة للاستخدام في العناية المركزة) وعلاوةً على ذلك، فهي قديمة. وبحسب تقرير نشرته الكاتبة نييبيس سالينا في صحيفة «بوث بوبولي» الإسبانية، فإنه في المقابل تشير الهيئة الصحية إلى أن أجهزة التنفس تحظى بالاعتماد وبيان المطابقة وفقاً للوائح الجمركية للاتحاد الأوروبي. بداية القصة تعود إلى الثامن من أبريل، عندما توجه كلٌ من رئيس إقليم كاستيّا لامانتشا، إيميليانو غارثيّا-باخي ومستشاره في الصحة خيسوس فيرناندو سانث، إلى مطار باراخاس بمدريد لاستلام 150 جهازاً للتنفس كانت قد اشترتها حكومة المنطقة من تركيا قبل ذلك بأكثر من 20 يوماً، وأمام دهشة العالم، قررت الحكومة التركية الاستيلاء عليها رغم أنها مدفوعة الثمن مسبقاً. وما إن رُفع الحظر عن المشتريات بفضل التدخل الدبلوماسي، حتى تنفس قادة الإقليم الصعداء، لكن ذلك الارتياح لم يستمر، فقد نددت جمعية كاستيّا لامانتشا للتخدير والإنعاش وعلاج الألم (ACMARTD) في بيانٍ لها ورد فيه: «إن ما تلقيناه كانت أجهزة تنفسٍ مصممة لنقل الحالات الطارئة (بعضها سيئ الجودة)، وليست للعلاج التنفسي في العناية المركزة». أيام الانتظار المليئة بالقلق وأقرت الجمعية بصعوبة إيجاد هذا النوع من المعدات الطبية وسط انتشار هذه الجائحة لصحيفة بوث بوبولي (حتى تاريخ اليوم بلغ عدد الحالات المسجلة 14.054 و475 حالة في وحدة العناية المركزة)، لكنها تعترف أن ما يثير الانزعاج هو إعلان قادة إقليم كاستيّا لامانتشا أنهم جلبوا أجهزة تنفسٍ للعناية المركزة، وذلك على لسان رئيس الجمعية الدكتور رامون بيرو. إن بيرو، رئيس قسم التخدير والإنعاش في المستشفى الجامعي العام في مدينة ألبثيتي، لم يكن راغبًا بسكب الزيت على النار في فترةٍ مضطربةٍ بحد ذاتها عقب أيام الانتظار المليئة بالقلق التي عاشتها مستشفياتٌ كالذي يعمل فيه أو مستشفيات مدينتي ألمانسا أو إيين في المنطقة ذاتها، وبعد مناوباتٍ «لا يتمناها لأي شخص» حسب تعبيره. كما أفادت الجمعية بأنه نظرًا إلى «النقص الهائل في معدات الدعم والعلاج التنفسي» في العناية المركزة، فقد اضطروا لاستخدام معدات التنفس الملحقة بأجهزة التخدير المتاحة وتعديل أجهزة التهوية الميكانيكية التي كانت «تصل إلى مستشفياتنا من المؤسسات العامة أو الخاصة، أي أنها أجهزة تخديرٍ وتنفسٍ منقولة في مجملها». الوضع في تحسُّن يقول الطبيب إن الأوضاع الآن أهدأ من ذي قبل، كما يُقرّ بأن المسؤولين الصحيين «لم يدّخروا جهدًا في سبيل الحصول على المعدات»، لكنه يؤكد أن المشكلة لا تكمن هنا، يقول: «إن كان هناك حكومةٌ مركزية، فلتتخذ الإجراءات اللازمة؛ توجد في إسبانيا مناطق لا تكاد تعاني من كوفيد-19، فليوفروا المزيد من الأسرّة أو يُرسلوا المرضى إلى المناطق المتاحة». يتساءل الأخصائي غاضبًا: «فلتصدر الحكومة أمرًا بسحب أجهزة التنفس المطلوبة من الأماكن التي لا تحتاجها، تمامًا كما تأمر الحرس الوطني بمصادرة الكمامات في حالات الطوارئ بسبب الحاجة إليها؛ أم ينبغي أن يكون وضع أجهزة التنفس في مدينة ألباثيتي أسوء من بقية المدن؟». يقول الدكتور بيرو في إشارةٍ إلى أجهزة التنفس التي أُعلن وصولها إلى كاستيّا لامنتشا وتوزيعها بين المشافي: «أحدهم يشتري من جهة، والآخر من جهةٍ أخرى، لما لا تكون الرعاية الصحية وطنيةً ولو لمرةٍ واحدة؟ فمن يدفع ثمن كل هذا؟ إنه المريض». شراء المعدات مسبقاً يعترف الطبيب بأن المفاجأة كانت عارمةً عند رؤيتهم تلك المعدات، يقول بأسى: «كان يتوجب عليهم تجربتها مسبقًا، فلو فعلوا ذلك لما اشتروها، نحن نعلم أنهم حاولوا واشتروا ما استطاعوا شراءه، وهذا جيدٌ لأن السوق مُزدحمة، لكن المعدات ليس لها أي فائدة؛ لا بأس سنستمر على ما نحن عليه». وقد ورد في الرسالة التي نشرتها الجمعية التي يرأسها رامون بيرو أن «قراءة المواصفات الفنية للمعدات المذكورة، وهو أمرٌ في متناول أي شخصٍ جاهلٍ في المجال»، تكفي لمعرفة أنها معداتٌ صالحةٌ لنقل الحالات الحرجة فحسب (لأنها متنقلة) وليست مخصصة لوحدات العناية المركزة، كما أنها قديمة، وقد يكون عمرها أكثر من 30 عامًا، كما يقول بيرو. وتشرح الجمعية في بيانها: «بصفتنا أشخاصًا غير خبراء في الأسواق الدولية وندرك الطبيعة العالمية للوباء، يمكننا أن نتفهم ونقبل عدم إمكانية الحصول على شيءٍ آخر، ولكننا نرى أن من غير المقبول أن يُبلغ المواطنون بأنها أجهزة تنفسٍ للعناية المركزة». مبادراتٌ بمختلف الأنواع وكما يشير أطباء التخدير في كاستيّا لامانتشا، فقد كانوا يعلقون كل آمالهم على أجهزة التنفس تلك، خصوصا في تلك الأيام الصعبة، حيث يحتاج الكثير من المرضى ذوي الحالات الحرجة المساعدة، وحتى أن أساقفة أبرشية مدينة ألبثيتي قد اتصلوا بشركةٍ موردةٍ لشراء جهازيّ تنفسٍ (بقيمة 38 ألف يورو لكل منهما) ومن المقرر أن يصلا في 20 أبريل. يوم الجمعة الماضي، وبعد وصول الإمدادات الطبية إلى إسبانيا، دافع مستشار الصحة في كاستيّا لامانتشا، خيسوس فرنانديث سانث، عن أجهزة التنفس التي اشترتها الحكومة الإقليمية قائلًا: «منذ أسبوع فقط، كدنا نقتل أنفسنا في سبيل الحصول على جهاز تنفسٍ كهذه الأجهزة وبهذه الميزات لإنعاش مرضى الحالات الحرجة». كاستيّا لامانتشا تعتمد المعدات يوضح لصحيفة بوث بوبولي اليوم منسوبو الإدارة الصحية لإقليم كاستيّا لامانتشا إن المعدات تُوزَّع وفقًا للحاجات التي يبديها كل مستشفى، ويضيفون إن أجهزة التنفس التي اشتروها من تركيا تحظى «بالاعتماد وبيان المطابقة بما يتوافق مع الأنظمة الجمركية للاتحاد الأوروبي». وأضافوا أنه في بداية الأزمة اعتمدت مديرية الصحة مالياً شراء 70 جهاز تنفس «كتلك التي نشتريها عادةً للحالات الحرجة من المورد المعتاد، وهي شركة متعددة الجنسيات، لكن هذه الصفقة تعطلت نظرًا لأن الشركة لم تستطع الحصول على المكونات المطلوبة منذ أن أغلقت الولاياتالمتحدة تصدير المواد الأساسية لتصنيعها». معدات تركية الصنع حينها استمرت مديرية الصحة بالبحث، ووجدنا شركةً في منطقة بلنسية تقدم لنا أجهزة تنفسٍ «تركية الصنع»، وأوضحت أن متخصصي مديرية الصحة الذين يعملون بشكل روتيني «مع هذا النوع من الأجهزة هم من يعتمد شرائها، ذلك لأنها أجهزة تنفس تسمح بالتهوية الغازية للمرضى الخاضعين لأنابيب التنفس الصناعي». وتوضح مديرية الصحة أن «أجهزة تنفس متنقلة يمكن استخدامها في النقل الطبي ولإنشاء وحداتٍ للحالات الحرجة في أماكن غير معتادة، بل وحتى تركيبها في وحدات العناية المركزة العادية»، وتشير إلى أن «نفس المعدات قد استُخدمت بنجاحٍ خلال خطط الطوارئ المختلفة وفي وحدات الحالات الحرجة المنشأة حديثًا في مراكز أخرى في إسبانيا». وتعترف الإدارة أنها «ليست الأجهزة المتطورة التي يمكننا شراؤها في الأوضاع الطبيعية لوحدات العناية المركزة لدينا، لكن فلنتذكر أن هذا النوع من الأجهزة ليس متوفرًا في السوق». وتضيف: «لقد ساعدتنا تلك الأجهزة التي اشتريناها على زيادة سعة جميع الخدمات التي قد تزيد لها الحاجة، سواء الآن أو طوال فترة الوباء، كما أتاحت للممارسين الحصول على نماذج مختلفة ليختاروا من بينها ما يناسب حاجة المريض للتهوية»؛ وتشير بيانات المديرية إلى أن إقليم كاستيّا لامانتشا يمتلك حاليًا 83 جهازًا للتنفس، وهو ضعف العدد الذي كان متاحًا منذ أسبوع. الأدوات الأساسية في الوباء باتت أجهزة التنفس أدواتٍ أساسيةً لمكافحة آثار فايروس كورونا، ويشير منسوبو شركة دراغر (Dräger) متعددة الجنسيات إلى أنهم يعملون هذه الأيام على عملية نقل وتركيب هذا النوع من المعدات في إسبانيا، كالمعدات الخمسين التي تبرعت بها الحكومة الألمانية لإسبانيا منذ بضعة أيام. لقد سألت صحيفة بوث بوبولي خبراء هذه الشركة متعددة الجنسيات عن الحد الأدنى من المتطلبات التي ينبغي أن توجد في جهاز التنفس ليؤدي وظيفته في العناية المركزة، وأجاب دانيال فيساك، رئيس الخدمات في دراغر إيبيريا (Dräger Iberia) الذي قضى سنوات في التعاون مع جمعيات العناية المركزة في إسبانيا وأوروبا، وهو عضوٌ في مجلس إدارة الاتحاد الإسباني لشركات التقنية الصحية (Fenin) في قطاع التقنيات ونظم المعلومات السريرية، موضحا أن «جهاز التنفس عبارة عن أداةٍ تسمح بتنفيذ عملية الاستعاضة المؤقتة عن وظائف الجهاز التنفسي الطبيعية، التي تُجرى في الحالات التي لا يستوفي فيها وظائفه الفسيولوجية لمختلف الأسباب المرضية». ويضيف: «تتكون أجهزة التنفس في وحدة العناية المركزة من عدة عناصر رئيسة: الكتلة هوائية وكتلة إلكترونية ونظام تحكم، وكلها تتحكم فيها معالجاتٍ دقيقة وتديرها برمجيات حاسوبية، وبفضل هذه العناصر، تُتاح لجميع أنواع الحالات والأمراض تهويةٌ على أعلى مستوى مع التحكم والمراقبة الكاملين». كما يشير خبير دراغر قائلًا: «من الواضح أن جهاز التنفس المتنقل ليس جهاز تنفس للعناية الحرجة، على الرغم من وجود العديد من النماذج التي يمكن لبعضها أن يقدم فوائد مماثلة من حيث التهوية الميكانيكية، إلا أن أجهزة التنفس المتنقلة مصممةٌ للعلاجات التنفسية محددة المدة وليست للعلاجات طويلة الأمد، ويتركز استخدامها بشكل رئيسي في مواقع الطوارئ وسيارات الإسعاف أو في وحدات العناية المركزة لنقل المرضى من مكانٍ إلى آخر في المستشفى، إلى غرفة العمليات أو لإجراء التصوير المقطعي على سبيل المثال». مع ذلك، يؤكد فيساك أن جهاز التنفس المتنقل أو المحمول يُعد حلًا ينقذ الأرواح، في حال نقص أجهزة التنفس، ذلك أنه ما يزال جهازًا مصممًا لتهوية المرضى، وله أنواعٌ متطورةٌ جدًا ذات ميزات تماثل تلك الخاصة بجهاز تنفس وحدة العناية المركزة.