عكست أزمة كورونا واقعا جديدا داخل المنازل، تحتل فيه المرأة السعودية الصدارة، بقدرتها على تعزيز الإيجابيات من خلال تطويع التجمع الأسري، بما يسهم في تبديد القلق من عدم الخروج، والبقاء لمدة أطول داخل الجدران الأربعة. وكلما طالت مدة منع التجول النظامي، حفزت المرأة السعودية أسرتها، لفترة أطول للبقاء الاختياري داخل المنازل، في إطار حرصها على سلامتهم وصحتهم، ما يقود إلى سلامة المجتمع بأسره. «عكاظ» رصدت أفكار عدد من النساء للقضاء على ما يمكن تسميته «الملل» في البقاء بالمنازل، وكيف أسسن نظاما جديدا، وما هي الأدوات التي اعتمدن عليها في تطبيق ذلك. الفنانة التشكيلية منال السيف، أكدت ل«عكاظ» أن خبرات المرأة السعودية وحكمتها لها أهمية في المجتمع ودور ريادي في مواجهة الأزمات. وقالت، إن ما ساعد المرأة حقيقة تلك الإجراءات الشجاعة التي اتخذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين، وتوجيهاتها لوزارتي الصحة والتعليم، للعمل بدقة للخروج من هذه الجائحة، ما ساعد في رفع الوعي الصحي والوطني، فبرز شعار الالتزام بالبيت واتباع التعليمات، ما يحد من عملية الانتشار. وبينت أن المرأة عليها دور كبير في تكثيف الوعي وإقناع صغارها والرد على تساؤلاتهم، خصوصا في ظل ما يعتبرونه مللا، إضافة إلى كيفية التعاطي مع التعليم عن بعد، في ظل عدم وجود فاصل بالخروج من المنازل. وقالت «المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، لكن في ظل الوعي العام، نجحت المرأة في استقرار الأسر دون إشعارهم بالخوف وتحفيزهم بأن هذه الممارسات تسهم في سلامة المجتمع، وتشعرهم بأهمية ما يقومون به لخدمة وطنهم ومجتمعهم». أما مدربة كرة القدم رؤى قطان، وأم ل4 أطفال (ولدان وبنتان)، أعمارهم ما بين2.5 و13 عاما، ترى أن المهمة تتضاعف على كل أم أو امرأة في مثل هذه الظروف، لكنها تستطيع تنظيم وقتها بما حباها الله من قدرات وإمكانيات. وقالت الإشكالية التي واجهناها في البداية تتمثل في بدء الدراسة في توقيت واحد، وأن الأم تصبح مسؤولة بشكل كبير عن إنجازهم دروسهم، ليقع على عاتقها عبء المنزل والتربية والتعليم في توقيت واحد، إضافة إلى حاجتهم إلى ترفيه لمنع العصبية عنهم وتفاقم الأمور. وتشير إلى أن التعليم عن بعد فكرة متميزة جدا، لكنها ما زالت جديدة على الأسر بأكملها، ناهيك عن الطلاب، لذا مسألة استيعابها وتنظيم وقتها يحتاج إلى وقت، لكن أعتقد أن الأسر تخطت المرحلة الأولى بنجاح في ظل تكاتف وزارة التعليم والصحة سواء بتسهيل تقديم الدروس أو توفير الوعي الصحي. وتروي تجربتها مع أسرتها «قسمت يومهم.. نصحو صباحا ونفطر مع بعضنا ونبدأ دروسنا، فولدي الكبير (ثاني متوسط) يستخدم الحاسب، فيما أنشغل مع أخيه الثاني (ثالث ابتدائي) على (قنوات عين) في التلفاز، ثم أبدأ مع ابنتي في التمهيدي، ولكل واحد منهم نحو ساعتين تقريبا، قبل أن نستعد لوجبة الغداء، ثم تبدأ عملية الترفيه بالألعاب الإلكترونية». وأشارت إلى أنها رغم كل هذا لم تنس مهمتها في إعداد المحاضرات لفريقها أو إجراء محاضرات عن بعد، «إضافة إلى تلقي دورات لتقوية المهارات في معهد إعداد القادة، أو الاتحاد السعودي لكرة القدم». ولفتت قطان إلى أنها تجتمع مع أبنائها لأداء رياضة في فناء المنزل، «نشجع بعضنا ونتنافس، خصوصا أن أبنائي ماهرون ولديهم مهارات متقدمة في كرة القدم، أما البنتان فتلعبان الباليه، وتتمتعان بدروسهما عن بعد، وكل ذلك لا يمنع أن أعلمهم الألعاب القديمة مثل الكيرم والضومنة والورقة والألعاب الذهنية الجديدة». وأشارت إلى أنها تشتري أغراضها عبر التوصيل الإلكتروني، فيما تهوى القراءة، «لذا أعتقد أنني مستمتعة بحياتي والحمد لله، وسط أجواء أسرية جيدة». وترى أنها تعلمت من هذه المرحلة أنه يمكن الاستغناء عن كثير من الاحتياجات غير الضرورية، وقالت «هذه الأزمة سنخرج منها أكثر ترابطا، لكن علينا في هذا التوقيت عدم إرهاق أبنائنا بالسهر، والحفاظ على التمارين المنزلية، ورفع سقف الوعي». تجربة مع العزل وتروي هند محمد تجربتها مع الحجر المنزلي بعد الاشتباه بإصابتها بكورونا، وتقول «فور ظهور أعراض مشابهة قررت عزل نفسي على الفور، خصوصا أن والدي الذي أعيش معه مسن، ويجب إبعاده عن أي عدوى، لذا ابتعدت كثيرا عنه حتى تأكدت أن ما أصابني هو أنفلونزا موسمية». وأشارت إلى أن فترة العزل أظهرت لها المواهب والهوايات القديمة التي انشغلت عنها بإيقاع الحياة، وقالت «يبدأ يومي بالمشي في المنزل، ثم الإفطار، ثم العمل عن بعد، ثم ممارسة الرياضة ومشاهدة التلفاز وتناول وجبة الغداء، ثم الاسترخاء وممارسة بقية الهوايات كالقراءة والأشغال اليدوية». أخصائية: المرأة السعودية ستبرز قدراتها أكدت الأخصائية النفسية دعاء زهران، ل«عكاظ»، أن للمرأة دورا كبيرا في استقرار أي أسرة، ناهيك عن وقت الأزمات، فهي تقود منزلها وتبقى هي القائد الحكيم، والمعلم النبيه، والحضن المليء بالدفء والأمان، في ظل تعدد مهامها، فهي الأم والزوجة والأخت، وتتمتع بفضل من الله بوعي وإدراك يقودها إلى النجاح في المهمة. وأشارت إلى أن دور المرأة كبير وفعال في الحياة الاجتماعية عامة وداخل أسرتها خاصة، ولا يقتصر دورها على محيطها الأسري الخاص، بل هي مدرسة تُشع علمها ومعرفتها وخبراتها ليستفيد كل من حولها، وفي هذه الأزمة القاسية يجب أن تكون الروح الإيجابية والمعنويات القوية، حتى تشد على أيدي من حولها، وتكون لهم الداعم في تغيير مفاهيم وعادات خاطئة لم نستطع من قبل تغييرها، أو إعادة برمجتها وهيكلتها. وأشارت إلى أن المرأة لها أدوار جميلة بين أسرتها، ومع زوجها وأبنائها، فهي روح المرح والسعادة، أشغلتها متطلبات الحياة والعمل بأن تعيش مشتتة بين عملها وأحضان أسرتها، ولكن اليوم الظروف تفتح لها المجال لتكتشف أفراد أسرتها واحتياجاتهم وهواياتهم ونواقصهم ومتطلباتهم، ليكتشفوا شخصيات بعضهم بعضا. وتعتقد دعاء أنه بعد عبور الأزمة بسلام سيرى الجميع كيف تحولت الحياة إلى واقع أجمل، وأن النظرة تغيرت، والحياة بات لها طعم مختلف، ونكهة جديدة، وروح لم نكتشفها في صخب الحياة الماضية.