وفقاً لعادات وتقاليد وتاريخ بعض المجتمعات العربية المحافظة، ظلت المرأة هي المسؤولة عن شؤون المنزل، حتى وإن كانت امرأة عاملة، فمسؤوليتها الأساسية تتمحور في إدارة شؤون المنزل بكل تفاصيله، ما أسهم في تنميط دورها ومهامها في هذا الإطار لدرجة انه أصبح شأناً خاصاً بالمرأة ومرتبطاً بها، مثلما ارتبط الرجل بكونه مسؤولاً عن كل ما هو خارج المنزل حتى إذا كان عاطلاً عن العمل، بل إن بعض المجتمعات تعتقد أن اهتمام الرجل بشؤون المنزل هو انتقاص من رجولته، ما يجبر الكثيرين من الرجال إخفاء اهتماماتهم وأدوارهم داخل المنزل عن المجتمع، كما انه في المفهوم الاجتماعي الشعبي، المرأة التي تصرح أو تتباهى بمشاركة زوجها لها في الأعمال المنزلية تعتبر متسلطة وأن زوجها ضعيف الشخصية. اليوم باتت المرأة تشارك الرجل في الشؤون الخارجية بشكل واضح، إذ أضحت موظفة ومديرة ووزيرة، وانخرطت في مجال العمل الخارجي تشارك الرجل في جميع الوظائف والمهن، ما ولَّد ظروفاً جديدة منها أن يتقاعد الزوج قبل الزوجة، خصوصاً أن فارق العمر بين الزوج والزوجة يكون عادة في مصلحة الزوجة، فيضطر الزوج إلى الجلوس في المنزل، خصوصاً إذا لم يكن له أي نشاط خارجي خاص، والزوجة تواصل عملها، فهل يستطيع زوج اليوم قبول الدور الجديد المفروض عليه؟ أم أن تطور الحياة غيّر من المفاهيم القديمة أيضاً؟ تقول صالحة اليوسف، التي تعمل في قطاع التعليم بوظيفة مرموقة: «إن زوجها تقاعد عن العمل منذ ثلاث سنوات لظروف صحية أجبرته على ذلك، وعلى رغم انه كان طوال فترة زواجنا الذي بدأ منذ أكثر من 25 عاماً رجلاً ودوداً، ومساهماً بفاعلية وايجابية في شؤون المنزل وحتى المطبخ، إذ كانت لديه هواية الطبخ ويمارسها بحيوية من وقت إلى آخر، تغير إلى شخص غريب ينتقد كل ما يراه أمامه، فملابسي التي كان يمدحها أصبحت تصيبه بالاشمئزاز وعدم الرضا، حتى أثاثات المنزل، التي كنا نذهب لشرائها معاً الآن أصبحت غير مفيدة ومقيدة لحركته داخل المنزل، الأسوأ من ذلك كله انه يسعى باستمرار لانتقادي والبحث عن الأسباب لإثبات تقصيري في واجباتي المنزلية، فيتحسس الأثاثات بأصبعه بحثاً عن غبار أو تراب، على رغم أنني أتكفل بالراتب الشهري للعاملة المنزلية والممرضة وسائقه الخاص، تحولت حياتنا 180 درجة بعد تقاعده، لدرجة تدخل الأبناء مرات كثيرة محاولين أعادة الأمور لوضعها السابق». أما هيا السعد، موظفة بأحد البنوك، فتؤكد بأن تقاعد زوجها تسبب في عدم استقرار العائلة، إذ تقول: «إن أسرتها كانت في قمة السعادة قبل تقاعد زوجها، على رغم أن عمله كان يجبره على قضاء معظم أوقات اليوم خارج المنزل، إضافة إلى الجهد الكبير الذي يحتاجه طبيعة عمله، لكن سرعان ما تبدلت السعادة والراحة التي كانوا ينعمون بها، بسبب تدخل زوجها في كل صغيرة وكبيرة في ما يخص شؤون البيت الداخلية، لدرجة تدخله في طريقة إعداد وجبات الطعام وتغيير أثاث المنزل إلى جانب مضايقته المستمرة للشغالات، علماً بأن وضعه المالي جيد وهو قادر على عمل استثمارات خاصة به غير الأسهم والتداول فيها، إلا إن عصبيته الزائدة مع الأولاد، يجبرهم على الهروب من جو المنزل والبقاء خارجه معظم أوقات اليوم تجنباً للتوتر السائد فيه، فتسربت أحلامنا ومخططاتنا، إذ كنا نخطط لتعويض فترات عمله وبقائه خارج المنزل معظم أوقات اليوم بعد تقاعده لكن انقلبت الحال وأصبحت أتمنى أن يجد عملاً يعيد الاستقرار إلى المنزل». أما مها السعد، التي تعمل معلمة بإحدى المؤسسات التعليمية المرموقة، فتقول: «إن تقاعد زوجها أدى إلى حرمانها من مواصلة ممارستها لمهنة التدريس الذي تعشقه، خصوصاً انه حقق لها وضعاً وظيفياً مرموقاً ودخلاً شهرياً جيداً، فزوجها الذي يهوى السياحة والسفر اغتنم الوقت الذي وفره التقاعد له في ممارسة ما يهوى، ما أدى إلى تغيبه لشهور طويلة عن المنزل ومطالبته لها بالتقاعد حتى تستطيع مرافقته في رحلات سفره الطويلة، وتحت إلحاحه المستمر واشتراطه سفرها معه بتقديم استقالتها، تقدمت باستقالتي من العمل وليتني لم افعل ذلك، إذ تحولت الحياة في المنزل إلى جحيم، خصوصاً أن المشروع الذي استثمر فيه مكافأة التقاعد الخاصة بي تعثر ومهدد بالفشل، ما تسبب في إفشال مخططات السفر والسياحة، وجعله يقضي معظم أوقاته داخل المنزل ينتقد فيها كل شيء حوله». وعن تأثير التقاعد على الأسرة في مجتمعنا السعودي تقول سمها الغامدي التي تعمل في وزارة الشؤون الاجتماعية: «إن الواقع لدى الغالبية تظهر ضعف اهتمامهم بالتخطيط في جميع أمور حياتهم، فيأتي يوم التقاعد وكأنه حدث فجأة، على رغم أن الشخص يعلم بذلك من أشهر سابقة أو حتى من قبل سنوات، إلا أنه لا يلقي لها بالاً، إلا لحظة وقوعه، فتنقلب حياته رأساً على عقب. واعتقد أن الأمر يكون أكثر صعوبة، إذا كان المتقاعد لديه زوجة لا تزال تعمل، إذ يظل ذهنه كعادة الرجل مشغولاً بمسؤولياته في العمل، وربما لم يألف مشاركة أسرته في الأمور الحياتية، ويجد نفسه مضطراً لمتابعة أدق التفاصيل داخل المنزل، لسد الفراغ الذي يعيشه، وتسبب في إزعاج الزوجة والأبناء، ويزيد التوتر بتدخلاته لتعديل تفاصيل حياة اعتادت عليها الأسرة لسنوات طويلة، وهي التي لم تكن تلفت نظره في السابق». البعض يعتقد بأن التقاعد سيوفر له الراحة البدنية والنفسية، إلا أن الفراغ الذي لم يخطط له يؤرق حياته، فيؤثر على أسرته فتعاني الزوجة العاملة ويعاني الأطفال، لذلك اعتقد بأننا بحاجة إلى توعية الأسر والآباء إلى أهمية التخطيط في حياتهم، بحيث لا يصل المرء إلى سن التقاعد إلا وقد اعد العدة لذلك، وملأ وقت فراغه بهواية مثمرة يحبها، أو عمل خاص يحقق فيه ذاته ويستثمر قدراته وخبرته، أو يتطوع في جمعية خيرية بالجهد أو الرأي، مع تخصيص وقت لصداقاته وعلاقاته الاجتماعية، ما تسهل عليه الانتقال من حياة الوظيفة إلى حياة التقاعد، التي ينبغي أن تكون قمة في العطاء والايجابية والإبداع. وليس السلبية والوحدة والانعزال، كما أن على الزوجة احتواء وتقدير الظروف التي يمر بها، حتى يتمكن من التكيف مع حياته الجديدة، ويحقق الهدف المشترك بينهما لاستكمال مسيرة الحياة.