كشفت جائحة كورونا فشلاً ذريعاً للدولةِ القومية ِالحديثة، تكاد تُفْقِدُها مبرراتِ شرعيتِها، مما يُشكك في إمكانيةِ استمرارِها. بل إن جائحة كورونا، تهددُ البشريةَ بالعودة إلى حالةِ الطبيعة الأولى (State of Nature)، لتعمَ الفوضى المجتمعات البشرية.. وتتغلبُ الأنانيةُ على سلوكِ البشر.. وتحفزُ صراعاتِهم البينية، حولَ مواردَ الطبيعةِ المحدودة، لتسودَ بينهم، كما جادلَ الفيلسوفُ الإنجليزي توماس هوبز (1588 – 1679)، حالةُ: حربُ الجميعِ ضِدَ الجميع. ليس هناك من ضمانةٍ تاريخيةٍ أو أخلاقية أو عملية، أن البشرَ يمكن أن يمتثلوا لنفوذِ الدولةِ وسطوتِها، في كلِ الأحوال... بل إنه، عندما يكتشفُ الناسُ عجزَ الدولةِ عن قيامِها بأهمِ مسؤولياتِها ووظائِفها، تفقدُ الدولةُ هيبتها، وتبدأ مرحلةُ انهيارِ خَيَارِهِا. كشفت الجائحةُ، أن أكثرَ الدولَ غنىً وقوةً ومنعةً واستقراراً وتقدماً، لم تصمدَ اقتصادِيَاتِها، لأسابيعَ قليلةٍ، لتدخلَ والعالمُ مرحلةَ ركودٍ قاسية، هي أقربُ لاحتمالاتِ الكسادِ المستطير، منها لتوقعاتِ التعافيِ القريب. في المجتمعاتِ المتقدمة، ظهرت معالمُ فشل الدولةِ ومؤسساتها، بصورةٍ هزت الثقةَ في قدرتِها على القيامِ بوظائفها ومسؤولياتها، خاصةً الأمنية. في الولاياتالمتحدة، لم يكن الخوفُ الرئيسُ، من استمرارِ الجائحةِ لفترةِ طويلة، توفر ملتزمات الحياة الضرورية، بل الخشيةُ كانت من حدوثِ انفلاتٍ أمني، يكلفُ الإنسانَ أغلى حقوقهِ الطبيعيةِ (الحياة). كان الزحامُ، في كثيرٍ من الولاياتالأمريكية، ليس على محالِ المستلزماتِ الضرورية، بل أكثر: على متاجرِ بيعِ السلاح! الناسُ هناك يتوقعون ما هو أسوأ من عجز الدولة عن احتواء الوباء، إلى فشلِ الدولةِ الذريعِ في القيامِ بأهمِ وظائِفها ومسؤولياتِها (حفظ الأمن). كما أن جائحةَ كورونا، كشفت عن زيفِ جدلِ التكاملِ الإقليميِ والتعاونِ الدولي، في مقابلِ حقيقةَ وواقعَ فوضوية النظام الدولي، بتحكم سلوكياتِ الصراعِ، لا مثالياتِ التكاملِ وقيمِ التعاون. تجربةُ التكاملِ الإقليميِ للاتحادِ الأوروبي، مهددة ٌبالفشلِ وعودةُ حالةِ الصراعِ التاريخيةِ بين الخصومِ الألداءِ في أوروبا، من جديد. لم تتورع دولٌ كبرى وغنيةٌ في الاتحادِ الأوروبي، من الانزلاقِ إلى سلوكياتٍ بدائية، تعكسُ أنانيةَ النفسِ البشرية، عندما تورطت في ما عُرف بحربِ الأقنعةِ الواقية. كما أن الأنانية بلغت بالأعضاء الغنية والقوية منها، أن تُغَلِّبَ خطيئةَ الأنانيةِ على نبلِ التكاملِ الإقليمي، عندما تنكرت لاحتياجاتِ الدولِ الفقيرةِ في الاتحاد لأبسطِ أشكالِ المساعدةِ للتغلبِ على مشكلة ِتفشي الجائحةِ. الفيلسوفُ الإنجليزي جون لوك (1632 – 1704) كان يجادلُ بمتانةِ وقدرةِ نموذجَ الدولةِ على الصمودِ والاستمرارية. الدولةُ، عنده، لا تسقطَ إلا بفعلِ الغزو الأجنبي، لا بتغيرِ نظامها السياسي. لم يكن في مخيلةِ جون لوك أن الخطرَ على نموذجِ المجتمعِ المدنيِ الحديث، الذي تحكمُه القيمُ الليبراليةُ المتمثل في صيغةِ الدولة، احتمالَ أن يفشلَ.. وربما ينهارُ، بفعلِ فايروسٍ لا يُرى بالعينِ المجردةِ، ممكن أن يُعِيْدَ البشريةَ إلى حالةِ الطبيعةِ الأولى. * كاتب سعودي [email protected]