دخلت المملكة في حرب أسعار مع روسيا على خلفية رفض الروس خفض إنتاجهم من النفط، وقد جاء الموقف السعودي لاحتواء تراجع سعر البرميل من 63 دولارا إلى 33 دولارا في أقل من ثلاثة أشهر، وهو عمر أزمة كورونا التي فرضت تنازلات جديدة على مصدري النفط الكبار، فلم يسبق لأسواق النفط أن سجلت هبوطاً مدوياً بهذا الشكل منذ الأزمة الآسيوية في سنة 1997، ولكن الروس لم يقبلوا بوجهة النظر السعودية، رغم أن المملكة اتفقت مع روسيا وأوبك على خفض مشابه في ديسمبر 2019، وطوال 3 سنوات مضت، وفي العادة يأتي خفض الإنتاج لتحقيق التوازن ما بين المعروض والمطلوب في أسواق النفط العالمية، وبصورة تضمن ارتفاع الأسعار أو ثباتها بأقل تقدير. روسيا تحاول بهذا الرفض توجيه ضربة موجعة لأمريكا ونفطها الصخري، ويجوز أنها تستثمره في الرد على عقوبات فرضتها الولاياتالمتحدة ضد شركات الطاقة الروسية، والحقيقة أن ضربتها سترتد عليها، فقد رفعت المملكة إنتاجها إلى 13 مليون برميل في اليوم، وبزيادة مليون برميل تؤخذ من الاحتياطي السعودي الذي يقدر بنحو 267 مليار برميل، وسيتراوح سعر البرميل ما بين 31 و28 دولارا اعتباراً من أبريل القادم، ولا أتصور أن روسيا ستصمد طويلاً، خصوصاً إذا تراجعت الأسعار إلى 25 دولارا، لأن موازنتها قائمة على سعر لا يقل عن 45 دولارا للبرميل الواحد. بالتأكيد لن يتضرر الروس ويسلم العالم، لأن القضية النفطية تؤثر في كل شيء، فبمجرد الإعلان عن الخلاف السعودي الروسي على خفض الإنتاج، تعرضت الأسواق الآسيوية والأوروبية لخسائر كبيرة، وهناك من يتوقع بأن استمراره لأشهر قليلة سيؤدي إلى إفلاسات بالجملة في القطاعات القائمة على النفط، والمملكة تقوم بمناورة مدروسة لإحداث تغيير جذري في التوازنات النفطية بصيغتها الحالية، وستنجح في ترويض الدب الروسي ووضعه في حجمه النفطي الطبيعي الذي لا يقارن بجبل طويق السعودي. المملكة عملت في السنوات الماضية على تأمين الإمدادات النفطية، واستخدمت احتياطاتها من النفط لتغطية الانخفاض في إنتاج الدول المصدرة، نتيجة لظروف الحرب والعقوبات، والعالم يعيش مع كورونا بربع حياة، فقد أثر الوباء على قطاع النقل وصناعة البتروكيماويات وكلاهما يستهلك الجزء الأكبر من النفط، ومن الأمثلة، توقف حركة الطيران الدولي في الشرق والغرب، وبالتالي خسارة ثمانية ملايين برميل كانت تستخدم في وقود الطائرات على مدار الأربع والعشرين ساعة. زيادة الإنتاج مع خفض سعرالبرميل سيزيد من حجم الاستهلاك، علاوة على مساهمته في رفع معدلات نمو الاقتصاد العالمي وبنسبة لا تقل عن 2 في المئة، كما أنه سيمنح المملكة ميزة تنافسية وحصة أكبر في أسواق النفط العالمية، بافتراض عدم تراجع الروس.