يصعب الحديث في هذه العجالة عن المكانة التي يحظى بها الحرمان الشريفان؛ كون هذه المكانة تأتي في أولويات حكومة المملكة، فالتطورات الضخمة التي حدثت في معمار الحرمين ومساحتهما ونظام إدارتهما تعكس جانباً من هذا الاهتمام، ولا غروَ في ذلك فالحرمان الشريفان يمثلان ذروة سنام المقدسات عند المسلمين، ويعدّان في الوقت نفسه الركيزة التي تنطلق منها المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين في كافة بقاع العالم. وتعد التوسعة الثالثة التي تنفذها المملكة في الحرم المكي الشريف من بين الأعمال والإنجازات التاريخية الضخمة التي تحظى -رغم عدم اكتمالها- بإعجاب ودهشة قاصدي بيت الله القادمين من كل فج عميق. وفي هذا المقال لست في وارد الحديث عن التطور الذي يشهده الحرمان الشريفان؛ وإنما سأتناول أسلوب إدارة وصيانة الحرمين الشريفين، فالنظام الحالي يقوم على أن: (الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي) هي الجهة المسؤولة عن المتابعة والإشراف على مشروعات الحرمين وأعمال الصيانة والنظافة وإدارة الحشود والأوقاف وكسوة الكعبة المشرفة، إضافة إلى مسؤوليتها عن الشؤون الدعوية والإرشاد والإمامة والأذان وغيرها من الشؤون الدينية. والزائر للحرم المكي الشريف يلحظ أن استكمال إنجاز مشروع التوسعة الثالثة يسير بوتيرة بطيئة وبمستوى أقل من حجم الدعم الذي يحظى به من قيادة المملكة، وأن أعمال التوسعة الضخمة لا تجري وفق أهمية المشروع وإستراتيجيته وأثره على المملكة ومكانتها والجهود التي تقوم بها تجاه خدمة الحرمين الشريفين، ناهيك أن أعمال الصيانة والتشغيل والنظافة والتنظيم في الحرمين رغم جودتها إلا أنه بالإمكان الارتقاء بها وتحقيق مستويات متقدمة في مُخرجاتها ونتائجها، وفي نظري فإن جزءاً من هذه الملحوظات تعود إلى الهيكلة الإدارية والتنظيمية للرئاسة، فالرئاسة تقوم في هيكلتها على الأسلوب التقليدي في الإدارة والتنظيم، وتستمد جانبا من إجراءاتها ومناخها التنظيمي من الخلفية الشرعية للجهاز وارتباطه بالعلماء و(المشايخ) وأئمة الحرمين، وهو ما يدفعني إلى اقتراح إعادة النظر في هيكلة الرئاسة ومسؤولياتها، وأعني فصل الجانب التشغيلي والتطويري للحرمين الشريفين عن الجانب الدعوي والتوعية الدينية، بحيث تقتصر الرئاسة على مهام تنظيم الإمامة والأذان، وشؤون الدعوة والإرشاد، وهي مهام تنسجم مع التخصصات الشرعية، ويمكن أن تُلحق بوزارة الشؤون الإسلامية ويُفرد لها وكالة مستقلة يكون مقرها في مكةالمكرمة، في حين يُنشأ كيان جديد مُستقل تحت مسمى: (هيئة تطوير الحرمين الشريفين أو برنامج تطوير الحرمين الشريفين)، يُصار في إدارته إلى كفاءات متخصصة في إدارة الأعمال وإدارة المشاريع والهندسة والعمارة، ويقوم على الطرق والأساليب الحديثة في الإدارة والتشغيل، ويرتبط تنظيمياً بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أو مجلس الوزراء، فالاهتمام بالحرمين الشريفين يمثل أولوية في سياسة المملكة وبرامجها التنموية، ومشروع رؤية (2030) يضع خدمة الحرمين الشريفين وتوفير أفضل الإمكانات لضيوف الرحمن، وحُسن وفادة قاصدي بيت الله في مقدمة برامجه ومبادراته. إن استكمال أعمال التوسعة الثالثة وسرعة إنهائها، والعمل على تحسين خدمات ضيوف الرحمن، وتلافي التأخر في إنجاز المشروعات التطويرية للحرمين الشريفين، وتطوير أداء وهيئة العاملين في الحرم من رجال الأمن والموظفين والموظفات يحتاج إلى إدارة تخصصية فاعلة تأخذ بالأساليب الحديثة المطبقة في الشركات العالمية والبرامج الدولية، وترتقي في الأداء إلى مؤشرات ومقاييس عالمية متقدمة. وأخيراً فإن هذا المقترح لا يعني أن (الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي) بوضعها الحالي لم تقم بالدور المناط بها، فالحق أن القائمين عليها خلال السنوات الماضية أسهموا بجهود ملموسة في تطوير منظومة العمل في الحرمين الشريفين، وأضافوا جملة من الأفكار التي يستحقون عليها الشكر والتقدير. * كاتب سعودي [email protected]