عندما يتحدث علماء الاتصال عن الانطباع، فهم يتحدثون عن التجرد من التعميم والبعد عن الحكم على الآخرين من منطلق أفكار مسبقة.. فهنا يبدأ الحكم على الشخص وتقييمه من اللحظة الحالية بناء على الطريقة التي يقدم بها نفسه: تناسق مظهره وملبسه، وتوافق المستلزمات التابعة لهيئته مع بعضها البعض، بالإضافة إلى نوعية الكلمات التي يستخدمها في حديثه؛ فالكلمات تدل على مستويات الثقافة والتعليم والأدب.. كل هذه الأحداث تجري متزامنة ليتكون الانطباع عن الشخص سريعا. وما يلي الانطباع.. يكون مجرد بحث عن تأكيد له. هذا الانطباع يحدث يوميا من خلال مقابلات الأفراد العابرة ومداخلات العلاقات الاجتماعية اليومية.. وهو مستمر ومرافق للفرد بقية حياته. الانطباع لا يجد الاهتمام بشكل كامل -حتى في كثير من الدراسات والأبحاث والدورات المتخصصة- إلا حين يتعلق بالمقابلات الشخصية. لأن الانطباع في هذه الحالة سيترتب عليه الحصول على وظيفة أو عدم الحصول عليها. فالثمن هنا مؤلم.. الانطباع السيئ سيكون ثمنه ضياع الوظيفة. في الوقت الراهن، الانطباع لم يعد متعلقا بالمقابلات الشخصية أو العابرة.. الرسمية وغير الرسمية فقط.. بل أصبح يتكون بشكل أساس في وسائل التواصل الاجتماعي.. ويمكن أن يُنظر لهذه المرحلة كواحدة من أهم مراحل الانطباع.. تتفوق في الأهمية على المقابلات الشخصية. فما يقدمه الفرد على وسائل التواصل الاجتماعي بدءا من التغريدة وانتهاء بإعادة إرسال رسالة واتساب مرورا بالتطبيقات المتعددة التي يقدم الشخص نفسه من خلالها لمئات وآلاف ومئات الآلاف من المشاهدين والمستمعين.. سيظل عالقا في الأذهان وملتصقا به كانطباع ملازم له. العالم الآن أذكى كثيرا مما كان عليه في السابق.. والشعوب أصبحت أكثر وعيا مقارنة بما كانت عليه قبل عقود. على سبيل المثال، من يقدم نفسه كشخصية افتراضية أصبح مكشوفا وواضحا أمام الآخرين. لذا، هو يترك انطباعا أوليا لمن يشاهد ما قدمه من منشورات أو تعليقات على أنها محاولة (إظهار أفضلية على بقية خلق الله).. وهذا في حد ذاته انطباع يدخل في خانة (السيئ) وربما (جدا). كما أن من يظهر بشكل مسيء أو يتحدث بألفاظ جارحة للذوق العام، يكسر أهم قواعد الانطباع التي يجب أن يراعيها الفرد في كل مرة يقدم ذاته للآخرين. إرسال ما يسيء للدين والوطن والمجتمع والشخصيات الاعتبارية والخاصة والعامة هو في حقيقته تشويه لصورة المرسل ويعطي انطباعا سيئا جدا عنه.. وليس عن الآخرين.