عندما يكون الحديث في حضرة جمع من الصحافيين في مؤتمر صحفي، وردا على سؤال ملغم من سائل سيئ النية أو حتى ردا على سؤال تلقائي من سائل حسن النية، ويحظى الرد باقتناع الحضور (لأنه مقنع) ويستطيع الرد وبكل أدب أن يلجم السائل سيئ النية أو يغير مفهوم السائل حسن النية، فإن ذلك الحديث أبلغ بكثير وأكثر تأثيرا من أي حديث مسجل أو مسبق الصنع كمادة إعلامية جاهزة. وإجابات معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية و عضو مجلس الوزراء عادل الجبير على أسئلة الصحافيين، سواءً في المؤتمرات الصحفية أو في المؤتمرات أو المناسبات الدولية، تميزت بالهدوء والحجة القوية والتسلسل المشوق في السرد المنتهي بعبارة قوية خالدة ورد مقنع للباحث عن المعلومة ومخرس للباحث عن التشكيك أو الإحراج، وتميزت ردود الجبير بقلب الطاولة على السائل المغرض في مناسبات كثيرة، فأصبح السؤال الذي قصد به الإحراج فرصة مواتية لإيضاح حقيقة غائبة أو مغيبة، ونذكر، على سبيل المثال لا الحصر، رده البليغ على صحافية تركية حاولت المقارنة بين موقف تركيا والمملكة من اللاجئين السوريين فرد عليها قائلا: «المملكة العربية السعودية استضافت أكثر من مليونين ونصف لاجئ سوري ليس منهم واحد سكن في مخيم لاجئين وليس منهم واحد أُسكن في خيمة لأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمر بأن يوفر لهم السكن والرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي ولأبنائهم التعليم، وأن يتعايشوا مع الشعب السعودي مثلهم تماما، ونفس الشيء حدث مع اللاجئين اليمنيين، لكننا لا نتفاخر بذلك ولا نضع أمامهم كاميرات التلفزيون ولا نصورهم، وأشكر السائلة على السؤال الذي أتاح الفرصة لي لإطلاع الحضور على ما قدمت السعودية للاجئين» انتهى، وهذا ما أسميه قلب الطاولة على السائل المغرض. قلت في تغريدة سابقة، ولا زلت أقول: لو كان لي من أمر الإعلام شأن لجمعت مقاطع قصيرة لردود عادل الجبير ووثقتها في مادة إعلامية ونشرتها في أغلب الفضائيات العالمية الشهيرة ووسائل التأثير، لأن الرد المفحم الحي أقوى تأثيرا وأبلغ؛ كونه تم في حضور خصوم ومحايدين فألجم الخصم وأقنع المحايد المنصف. وفي طريق الرد وهو عابر، صفع عددا من الرؤوس التي تتجرأ على المملكة، انظر كيف أن عبارة «لم نتفاخر بذلك ولم نضع كاميرات التلفزيون أمامهم» سارت في طريقها بسلاسة وصفعت أردوغان (على الماشي). * كاتب سعودي www.alehaidib.com