وصل أوغلو من موسكو وهو في حالة ذعر شديد، لم يكن قادرا على إجراء الاتصال مع أردوغان نتيجة خطورة التحذير الذي أبلغه إياه وزير خارجية روسيا حرفيا، قال له: «الرئيس بوتين يعلم بدقة عن مؤامرتكم مع إسرائيل لتمرير صفقة القرن مقابل تقديم معلومات استخبارية إسرائيلية حول الأسلحة الروسية في سوريا، ويعلم أيضا أن ترمب لم يُعلن دعمه لتركيا في الحرب على سوريا إلا لأن أردوغان المبتز قد وعده أن يكون إلى صفه في صفقة القرن وأنه سيعمل على تمريرها، كل ذلك مكشوف، أبلغ أردوغانك أن يحضر فورا لمقابلة الرئيس بلا تلكؤ». في الطريق من المطار إلى مكتب أردوغان، أجرى أوغلو عدة اتصالات مع وزير الدفاع التركي «خلوصي أكار» والمستشار التائه «ياسين أكتاي»، ورئيس الاستخبارات التركية، «هاكان فيدان»، دعاهم إلى الاجتماع خلال نصف ساعة مع أردوغان، ثم هاتف أردوغان وقال: يبدو أننا في حالة حرب مع روسيا! امتقع وجه أردوغان وهو يسمع التحذير، نظر إلى هاكان ورفع يده لصفعه على كشف الروس للاتصالات بينه وبين الموساد الإسرائيلي، فتراجع هاكان وكاد يسقط وهو يحاول سحب مسدسه من خاصرته، تدخل خلوصي وحضنه ليمنع رؤية أردوغان لهذا المشهد، الذي كاد يودي برأس أردوغان، وقال: «اهدأ.. اهدأ» وأدار وجهه نحو أردوغان وهو يقول: «علينا معالجة ذلك فورا». هدأ هاكان قليلا وجلس قرب أكتاي وهو يكاد يفترسه، لم يكن يثق به، كان يظنه دائما «العميل رقم 1»، فهو الوحيد الذي يمكنه تسريب تلك المعلومات للروس، خاصة حين اقترح على أردوغان أن يتم التواصل مع الأمريكان لإصدار التصريحات الخاصة بدعم تركيا ضد الروس، لا شك بأنه قد أبلغهم أيضا بوجود الاتفاق مع الموساد لتقديم المعلومات الاستخبارية حول أسلحة الروس والجيش السوري والخطط العسكرية، فقال وهو يجلس: «قبل معالجة ذلك، علينا أن نعرف كيف بلغ الاستخبارات الروسية الخبر» ونظر إلى أكتاي وهزّ رأسه ملوحا..! لاحظ أردوغان ذلك، كان لديه ذات الشكوك بالمستشار التائه، لكن أردوغان كان منفعلا جدا، شعر بالخطر الشديد، فنظر إلى أوغلو وقال: ماذا سأقول لبوتين؟!؟ فأجاب أوغلو فورا: «قل له الحقيقة، لأنه يعلمها، قل له إن علاقتنا مع إسرائيل حساسة جدا، لم يكن سهلا علينا أن نجعلهم يكفون عن دعم قوات سوريا الديمقراطية، ولا عن التهدئة مع الإيرانيين، قل له إن الجميع يعلم أن تصريحات ترمب لا قيمة لها، وعليه أن لا يأخذها بالاعتبار». لوى أردوغان رقبته وعاد وكأنه يزحف مطأطئ رأسه، ثم جلس إلى مكتبه، تقدم خلوصي وهو يحاول حسم النقاش، قال: «ليس مهما ما تقوله لبوتين، المهم أن نجد طريقة ونخرج بأقل الخسائر من سوريا، وكما قلت لك سابقا، الذين يحركون بوتين ويدعمونه لإخراجنا من سوريا، الذين تعرفهم من القيادات العربية، لن يتركونا وشأننا، فنحن من أعلن الحرب عليهم، ولن يتوقفوا إلا حين نكف عنهم، ونتراجع إلى خطوط التماس، على الأقل». رفع أردوغان رأسه ونظر إلى خلوصي، ثم إلى أكتاي وهاكان وأوغلو، ثم أغمض عينيه على وقع سكتة دماغية باغتته في تلك اللحظة. * روائية وباحثة سياسية [email protected]