العملة في أي دولة هي رمز لها، فقوتها من قوة ومتانة اقتصادها، وضعفها وتدهورها بمثابة برهان على هشاشة النظام المالي لتلك الدولة وعجزه عن تحقيق النمو. المشهد الاقتصادي في تركيا تختزله سنوات الهبوط والتراجع المستمر لليرة التركية، من صعود واستقرار إلى انخفاض متواصل على مدى سبع سنوات عجاف منذ العام 2013، في انعكاس لا يتوقف لأزمات اقتصاد أنقرة. فبعدما كان الدولار يساوي 1.16 ليرة في العام 2007، وهو من أعلى المستويات أمام الدولار، سجلت الليرة في تعاملات متقلبة أمس، ووصلت لأدنى مستوى لها في 9 أشهر. وبلغت أقل من ست ليرات للدولار الواحد، في هبوط حاد ومفاجئ لولا تدخل بنوك تركية مملوكة للدولة في مسعى لها لإنقاذ الليرة من مزيد من النزيف، بعدما ظلت عالقة داخل نطاق ضيق لأسابيع. محاولات إنقاذ الليرة لم تبدأ أمس فقط، بل امتدت طوال تلك السنوات السبع الماضية، حينما لجأت البنوك التركية إلى بيع عشرات المليارات من الدولارات؛ للحيلولة للوقف دون الهبوط المستمر. بداية مسلسل نزيف الليرة التركية كان عندما انخفضت إلى ليرتين لكل دولار للمرة الأولى في سبتمبر 2013، ثم واصلت تراجعها لتكسر حاجز ال3 ليرات لكل دولار في سبتمبر من العام 2017، قبل أن تعود وتهبط إلى مستوى 4.7 ليرة مقابل الدولار، وتتخطى حاجز ال7.2 ليرة لكل دولار في العام 2018، وتصل إلى 6.04250 ليرة للدولار مقارنة مع 6.0075 في إغلاق (الإثنين) الماضي. نداءات الرئيس التركي رجب أردوغان لمواطني بلاده، التي لا تنقطع بتحويل العملات الأجنبية إلى العملة المحلية، لم تجد صدى يذكر، إذ إن انهيار الليرة يعود لجملة من الأسباب منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي بحت، فحجم الديون الخارجية لتركيا بات كبيرا بعدما بلغت ما نسبته 53% من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، خلال العام 2018، كما أن ودائع القطاع غير البنكي بالدولار أقل من المديونيات، والفرق بين ودائع القطاع غير البنكي مقارنة بالقروض والالتزامات حوالى 200 مليار دولار، إضافة إلى أن 67% من إجمالي الديون للحكومة أو القطاع الخاص هي ديون خارجية، وهذا سيعزز من الطلب على الدولار والعملات الأجنبية، وديون الحكومة 95 مليار دولار. وحول نزيف الانخفاضات المستمرة لليرة التركية، فند المستشار الاقتصادي فضل البوعينين ل«عكاظ» الأسباب المتواصلة لانخفاض الليرة. وأكد أن تركيا تعاني ديونا خارجية كبرى بالعملات الأجنبية، مع شح سيولة العملات الأجنبية، إضافة إلى تحول الميزان التجاري إلى السالب، إذ إن الواردات إلى تركيا أصبحت تتجاوز الصادرات، وهذا يعكس ضعف الاقتصاد التركي. وقال البوعينين: «المستثمرون الأجانب توقفوا عن ضخ استثمارات داخل تركيا؛ بسبب المشكلات الاقتصادية الجمة هناك، وتدخلات رئيسها في شؤون الدول الأخرى؛ ما أدى إلى عدم ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي، وخروج العديد من الاستثمارات إلى الخارج». وطالب البوعينين المستثمرين السعوديين بعدم الاستثمار في السوق التركية؛ كونها لم تعد آمنة.