منذ فترة وجيزة بت أعاني من صعوبة الاحتفاظ بالأشياء، فقدت الشغف بتلك الحياة الممتلئة بالألوان والبشر. بت أعاني من تساقط الناس من ذاكرتي واحداً تلو الآخر. لطالما شعرت بالحرج كلما سقط أحدهم ورأيته يتدحرج أمامي ويمضي لهاوية النسيان.. حقيقة لا يمكنني الكذب فأقول إنه سقط سهواً. حتماً هو لم يتشبث جيداً ولم يحفظ مكانه بباطن جمجمتي؛ فهي رُغم ازدحامها بالبشر والمواقف حتى باتت كمحطة سفر في بلاد كثر بها الفقر واشتدت الحروب وأصبح جميع من بها مغادر دون أمتعة لم تكن تُسقط أحدهم دون سبب، دون موقف. بدأ ذلك كتساقط أوراق الشجر الجافة واليابسة في موسم الخريف، غير أن للشجر أن يعود فيخضر ورقه في الموسم التالي، بينما رأسي يمضي باتجاه الجفاف الأبدي. الشيء الوحيد الذي لم أستطع التخلص منه أو إسقاطه كانت الذكريات التي باتت كجدار متراكم من الخيبات يصعب التوغل داخلها أو المساس بها.