من السهل جدا على أي وزارة التخلي عن مسؤولياتها أو التنازل عنها لجهة أخرى أو تركها عائمة، لكن من الصعب جدا إدراك خطورة نتائج هذه النقلة، ولعل وزارة التجارة بتخليها عن كثير من جوانب حماية المستهلك التي كانت تضطلع بها في زمن مضى وبقوة وصرامة تعد أوضح مثال على هذا التغير السلبي. لا أحد ينكر التطوير الذي قاده معالي الوزير ماجد القصبي في مجال الاستثمار والنقلة النوعية في هذا الجانب، لكن هل من الضروري أن يكون ذلك على حساب التنازل عن شق حماية المستهلك لجهة أخرى وتحجيم الحماية؟! خصوصا أن من أكثر الأمور إحباطا أن تعود المستهلك على درجة عالية من حفظ الحقوق ثم فجأة تتخلى عنه وتتركه فريسة لجور التاجر، بل إن السؤال الذي يطرح نفسه: هل من متطلبات تشجيع المستثمر أن ترمي له المستهلك لقمة سائغة هكذا؟!. أرى شبه إجماع، لدى زملاء صحافيين وإعلاميين وأعضاء مجلس الشورى، تشرفت بالاشتراك معهم في تأسيس جمعية حماية المستهلك ولدى كتاب رأي آخرين لم يشاركوا في التأسيس ولدى أسماء معروفة في تويتر، بأن جانب تجاوب وزارة التجارة مع شكوى المستهلك أصبح في أضعف حالاته، ويؤيد ذلك عدة شكاوى نتلقاها ككتاب رأي أو تئن بها حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، بل بعضها جربناها شخصيا أو شهدناها في مواقف لأقرب الناس لنا ومن نثق في رواياتهم ونعايش بعضها ونشهده عن قرب، جميعها تشير بوضوح إلى أن وزارة التجارة والاستثمار تخلت عن ما نجحت في تحقيقه في مجال حماية المستهلك، في زمن نرى أن دولا متقدمة جديرة بالاقتداء تضرب أمثلة رائعة في الانتصار للمستهلك وتعويضه بمبالغ طائلة، ولنا مثال في ما نشرته صحيفة (ديلي ميل) ونقلته صحفنا عن دفع شركة ايكيا للأثاث مبلغ 46 مليون دولار كتعويض لعائلة فقدت طفلها بسبب سقوط خزانة ملابس، ونحن لا نطالب بهكذا تعويض، ولكن أن يسترد المستهلك حقه الذي دفعه وما يترتب على تقصير التاجر من خسائر وأضرار. أغرب المستجدات التي عايشتها أن أشهر مغسلة ملابس في المملكة أضاعت غترة صوف ثمينة لمواطن وعند شكواه للتجارة أحاله مستقبل البلاغ تارة للبلدية وتارة للشرطة، والبلدية نفت علاقتها بالموضوع، فهل يعقل أن نشغل الجهات الأمنية بموضوع فقدان غترة نتيجة إهمال مستثمر فقط لأن وزارة التجارة قررت التخلي عن المستهلك؟! قصص ومواقف كثيرة مع وكلاء سيارات ومتاجر ووكلاء أجهزة، جميعها كانت تحلها التجارة بيسر وسهولة وفجأة تريدنا أن نشغل بها الشرطة. * كاتب سعودي www.alehaidib.com