نحن في أمس الحاجة لهيئة مكافحة الفساد، ونحن من استبشر بها خيرا، ونحن المواطنين المتضررين من كل ما هو فاسد ندرك أنها لن تستطيع القضاء على الفساد كله، لكنها ستحد منه، وتحاربه وتخوف جميع أطرافه، كما أننا ندرك أيضا أن الفساد بالذات لا ينقص من أطرافه بل يحتاج إلى ضربة في العمق ليترنح فنتمكن منه. هيئة مكافحة الفساد تحديدا تحتاج أكثر ما تحتاج إلى العمل بصمت، والصمت دائما مدعاة للهيبة، والهيئة تحتاج إلى هيبة، لا أقصد ألا تكون الهيئة شفافة وتتعاطى مع الإعلام، بل أقصد أن طبيعة عمل مكافحة الفساد التي يطمح لها الوطن لا تحتمل ركوب موجة الشكوى العامة من شأنٍ له جهته المختصة فتزورها لتسأل عنه، خذ على سبيل المثال، أزمة الأسمنت رغم أهميتها ومساسها المباشر بالتنمية وتأثيرها على المواطن الذي يحلم ببناء مسكن العمر وهي دون جدال شغل شاغل للمستهلك اليوم، ومع ذلك فإن أمر زيارة وزارة التجارة للسؤال عنها والمساءلة حولها في هذا الوقت المبكر بالذات، مقبول من الصحافة ومن الناشطين في حماية المستهلك ومن المستهلك نفسه، لكن دور مكافحة الفساد أكبر بكثير من هذا، فهي معنية بمحاربة البيئة التي قد تساعد على جملة ممارسات التجار من هذا النوع إذا ارتبط بتواطؤ من أطراف مسؤولة عن ردعهم، وليس من المتوقع أن تتفرغ الهيئة لركوب كل موجة من الأزمات تتبناها الصحافة فتهب الهيئة مباشرة للتعاطي معها، لأن المكافحة تقوم في الأساس على علاج المسببات والتخلص من الأجزاء الفاسدة، ومن المبكر القول بأن أزمة الأسمنت مرتبطة بفساد في الأجهزة المعنية بها، وإن صح هذا الافتراض فإن وزارة التجارة بثوبها الجديد تستحق منحها الفرصة للتعامل معه، وأن تتفرغ الهيئة لما هو مزمن وقديم. خلاف ذلك، فإن هيئة مكافحة الفساد سوف ترهق بملاحقة كل أزمة طارئة وتستنفد لياقتها في التواجد في كل مكان للحدث وهذا عمل الصحافة وجهات التعامل مع الطوارئ، وعمل هيئة مكافحة الفساد يجب أن يكون أكثر تأنيا وأطول نفسا، كما أنه لا يحتمل أسلوب الزيارات وبروتوكولاتها وخطاباتها والتصريح بعدها. www.alehaidib.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 262 مسافة ثم الرسالة