يطلق الناس على قاضي المحكمة الذي يفصل في معاملاتهم اليومية (القاضي الجالس)، وعلى الرغم من تخرجه من معهد القضاء العالي وسعة اطلاعه وخبرته الطويلة، تظل أحكامه وفقا للنظام خاضعة للاستئناف والنقض، كما يطلق الناس على المحامي الذي يقف طوال النهار بالمحاكم حاملا حقيبته المليئة بالمستندات المؤيدة لبراءة موكليه (القاضي الواقف) وبالرغم من تخرجه من كلية الحقوق واستصداره رخصة محاماة وممارسته الميدانية، تظل آراؤه ومواقفه الإنسانية تجاه المظلومين قابلة للتأويل والتشكيك أحيانا! وحده (القاضي المنبطح) خلف شاشة جواله، والذي ربما يكون (ساقط سادسة)، وصحيفة سوابقه مليئة بالجرائم، ولا يملك أدنى معرفة أو خلفية قضائية، من نجد أحكامه المضللة بمواقع التواصل الاجتماعي تكتسب القطعية ولا تقبل الطعن وتختم برتويت النفاذ المعجل من قبل (هيئة المغردين المنبطحين)! يحرص (القاضي الجالس) على أداء مهام وظيفته بالمحكمة في حدود السلطة القضائية الممنوحة له، تاركا سن القوانين للسلطة التشريعية وإنفاذ الأنظمة والأحكام للسلطة التنفيذية، بينما نجد (القاضي المنبطح) يقوم بمهام السلطات الثلاث من خلال سلسلة تغريدات، يحاكم فيها المتهم ويشرع العقوبة ويحث متابعيه على بدء تبليك المحكوم عليه. كما يحرص (القاضي الواقف) على أن تسير وقائع المحاكمة وفق الأنظمة المرعية، وذلك بحضور المدعى عليه والتأجيل لجلسة لاحقة لإحضار البينة وطلب الشهود وربما الطعن بالتزوير ومضاهاة الخطوط وسماع اليمين وغيرها، بينما لا يحتاج (القاضي المنبطح) سوى شاحن جوال ليعبئ بطاريته المنتهية ثم يقدح من رأسه ويصدر أحكامه النهائية بقضايا الرأي العام! مراعاة لوقت وجهد (القاضي الجالس) وحتى لا يشكل عليه تنوع القضايا فيؤثر ذلك على حكمه، تم استحداث المحاكم المتخصصة، التجارية، الإدارية، الأحوال الشخصية والمرورية، بينما نرى (القاضي المنبطح) لا يتأفف من ازدحام جدوله اليومي بالقضايا، فتراه ينظر ويبت بجلسة واحدة في كل القضايا الاجتماعية والرياضية والاقتصادية وحتى السياسية. كذلك نلمس أن مهنة (القاضي الواقف) يحكمها نظام المحاماة الذي يكفل عدم امتهان هذه المهنة الشريفة من قبل الدعوجية وغير المختصين مما يسيء للمرفق القضائي ويتسبب بإضاعة حقوق الموكلين، بينما نرى بالمقابل (القاضي المنبطح) يمارس مهام (العرضحلجي) جهارا نهارا من خلال حسابه الشهير بعد أن يقبض الأتعاب لمن يدفع أكثر ليسهم في تضليل المجتمع ودفن الحقائق البينة! أعرف بأن هناك في هذه الأثناء من يقول؛ ما هذه المقارنة الظالمة بين أشخاص يمارسون مهامهم بشكل رسمي وأشخاص كل ما يريدونه ملء أوقات فراغهم بمواقع التواصل الاجتماعي، والحقيقة أن المعادلة بالفعل ليست متكافئة عكسيا، حين لا يقتنع الناس بحكم شرعي يتجاوز 20 صفحة مدعمة بالحيثيات والأسباب، بينما يصدقون تغريدة مغرضة لا يتجاوز منطوقها 280 حرفا، حين يمنع (القاضي الجالس) من التغريد ولا يصل متابعو (القاضي الواقف) بضعة آلاف، بينما يوجد هناك ملايين المتابعين المهووسين ب (القاضي المنبطح)، هنا يصبح صلاح المجتمع أو هدم مبادئه مرتبطا ليس بالقضاء وإنما بأحكام مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي الذين لا يوضع لهم أي شروط لتولي هذه المهام غير (الفاضي يعمل قاضي)!. [email protected] ajib2013@