تشهد بلادنا تطوراً متسارعاً ملحوظاً على جميع الأصعدة؛ ومنها الصعيد النظامي الذي نال حظاً وافراً منه. ومن المستجدات النظامية الصادرة ما تضمنه تعديل نظام السوق المالية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/16) وتاريخ 1441/01/19ه من جواز عقد تسوية بين هيئة السوق المالية وبين المتهم بارتكاب أي مخالفة من مخالفات النظام أو لوائحه التنفيذية. وتنص المادة (64) المعدلة من النظام على جواز عقد اتفاقية تسوية الهيئة والمتهم بارتكاب تلك المخالفات، وتؤكد المادة أنه يجب ألا يتجاوز المبلغ المدفوع الحد الأعلى للغرامة، إضافة إلى دفع مبلغ لا يتجاوز ثلاثة أضعاف الأرباح المحققة أو ثلاثة أضعاف الخسائر التي تجنبها المتهم. كما تؤكد المادة على أن اتفاقية التسوية لا تُخِّل بأي تعويضات تترتب على المتهم، وعلى أن تكون التسوية وفقاً للقواعد والإجراءات التي تضعها الهيئة. وإتاحة هذه التسوية يُحقق مصالح متعددة لجميع الأطراف، فهو يوفر جهد ووقت جهات الضبط والتحقيق والتقاضي، كما يحقق مصلحة المُخالف في تفادي تسجيل هذه المخالفة في سجله الجنائي، وفي الحفاظ على سمعته التي هي من أهم المكتسبات، كما تُجنبه العقوبات الأخرى كالسجن أو المنع من العمل في بعض الوظائف والقطاعات. وفي ذات الوقت فإن جانب الردع والزجر في هذه التسوية متحقق؛ ذلك أنّ الغرض الأساسي من ارتكاب غالب تلك المخالفات هو تحقيق الأرباح أو تجنب الخسائر، وكون التسوية تحول بين المتهم وبين قطفه لتلك الثمرة، وتجعله يدفع جزءاً من تلك الأرباح المحققة أو الخسائر المُتجنبة، هو أمر سيردع المتهم عن تكرار تلك المخالفة، كما سيجعل الغير يُعيد التفكير مراراً قبل ارتكاب تلك المخالفات. كما نلحظ أن النظام حينما أجاز تلك التسوية راعى حقوق الغير ولم يهملها، إذ نصّ على أنّ التسوية لا تُخل بأية تعويضات، كما راعى النظام -في ذات الوقت- جانب العدالة بحق المتهم، إذ قُيّد مبلغ التسوية بحدود عُليا تمنع من أن تتجاوز التسوية الغاية والمقصد الذي قصده المنظم منها. * محامي ومستشار قانوني وشرعي