كل ما نحبه نقول عنه أنت كأمي أو كأبي أو كالعمر والحياة، شيء لا يتكرر ولا يُعاد ولا يُقلد، نتجنب الدنيا بهم نتجاهل الوجع معهم ونتنحى عن مخاوفنا برفقتهم، كل شيء من حولنا قابل للاقتلاع، خصوصاً إن كانت حبالهُ هشة يمر بها الهواء فتميل، يهطل عليها المطر فتذوب، ويعصف بها الشتاء فتترك؛ لهذا ضربت ذلك «الوتد»، الذي غرستهُ في أرضك وأشربتهُ الثقة والدعاء؛ ليثمر بقربك وثباتك وزهرك ليكون بك لا بغيرك. وتد، جذوره التمني، عقدتهُ مع الأرض وأنا أنظر للسماء. ومنذُ غراسه وأنا أتفقده بين اليوم والآخر وأتأكد من ثباته. جدلتَ لي أيامي بشكل أنيق يفوح منها ماء الورد والحناء ونبتة الياشموم، صعدنا سوياً إلى القمر. القمر الذي كان يتجمل في مرآة البحر كقطعة من الفضة رُميت بين الموج والآخر، وانتظرنا الشمس كثيراً؛ لتشرق ونبتسم وكأنها لا تفعلها إلا ونحن مع بعضنا، طالما قلتَ لي بأن الغروب يختبئ وراء الغيم الذي يملؤني في جوارك حتى يُمطر. نصبتُ لك في زوايا الدنيا أسُساً لا تُهد، وثوابت لا تتحرك ومواثيق لا تُقطع وتنازلات لا تُعد، وضعت لك في جيوب صدري دعوات كالحلوى ذخرتها طَمَعاً في طَعْمِها وقت الإجابة. افعلوا الثبات.. الذي يصنع لكم البقاء الأبدي، والثقة الدائمة والروح الموازية التي لا تتخلى ولا تغادر. يُقال عادةً للصادقين كيف صدقتم؟! وهذا السؤال لا جواب له في الغالب؛ لأن الصدق معجزة في حياة تعجُ بالتأويل. الصادق صوته جميل، وقلبه أخضر وعيناهُ واسعتان، لا يمت لأي شيء سيئ بصلة، ولا يعرف أن يكون غير ذلك. عندما أتيتك، قلتُ في قلبي إن لم تستطيعي الصدق فلا تكملي؛ لأن ذلك الطريق سيكون مظلماً بالكذب وأنتِ تخافين الظلام. النوايا التي نأتي بها لبعضنا هي نتاج ما نعيش سواءً كان هذا الإتيان رفقةً أو حاجةً أو حُباً. الوتد الذي وضعته بالقرب من شريانك الأيمن كان لونه شفافاً طاهرا، وضعتهُ هنا بالتحديد حتى يكون قريباً مني في جوفك، ويكون قلبك متسعاً لبقائي. تمسكوا بمن يدحرجون القمر على ساحة السماء؛ لتضحكوا، لمن يصنعون من الشمس دمية ذات خدودٍ حمراء ورموشٍ طويلة وجديلتين. أولئك الذين يحبون الطريق والشوارع تغني مع المطر، ضعوا الوتد فقط وسيكون لكم من نصيب الارتياح شيء لم تحلموا به، وبقاء بلا قيد، وزمزم بدون ارتواء!