عنوان المقال يشير إلى التصرفات البعيدة عن الحكمة، أو الذكاء، أو المسؤولية. وفي بعض الأحيان تفاجئنا اللقافة بمصادرها الغريبة. وتحديدا، فعندما تنبع من جهات ذكية، ومحنكة، فلا بد من وقفة تأمل. والأغرب من ذلك عندما تكون في أماكن غير متوقعة.. تخيل أن تجدها في الفضاء الخارجي. فضلا ركز معي: بنهاية الحرب العالمية الثانية، تمتعت الولاياتالمتحدةالأمريكية بهيمنة متميزة. تألقت بقوتها العسكرية الرهيبة وبانتصاراتها المكلفة على الجبهتين الأوروبية والآسيوية. وتوجت ذلك باستخدام القنبلتين الذريتين ضد اليابان: الأولى على مدينة هيروشيما في 6 أغسطس والثانية على مدينة ناجازاكي في 9 أغسطس 1945. ولكن كما يقول المثل «يا فرحة ما تمت» فقد تغير الوضع سريعا في نهاية الأربعينات لأمريكا لأن الاتحاد السوفيتي أثبت هيمنته على شرق أوروبا من خلال اجتياح مجموعة دول مثل تشيكوسلوفاكيا، وبولندا، ويوغوسلافيا، ورومانيا.. واهتزت مكانة أمريكا مرة ثانية عندما أعلن الاتحاد السوفيتي عن امتلاكه للقنبلة النووية وتجربتها. وبعدها في عام 1949 تحولت الصين بكبرها إلى النظام الشيوعي عندما فاز «ماو تزي دونج» بقيادة البلاد. يعني جاءت الضربات الموجعة لأي دولة ترغب في التربع على عرش الهيمنة الدولية. وكانت الدول العظمى، وبالذات الولاياتالمتحدة تفتخر وتعتز بأكبر الميزانيات للأبحاث العلمية وتطوير التقنيات. وكانت، ولا تزال، تعتز بعلمائها ومهندسيها ومعاملها. وخرجت منها العديد من الأفكار الرائعة في مجالات الهندسة، والطب، والعلوم الطبيعية. ولكن خرجت منها أيضا بعض من أغرب اللقافات التاريخية ومنها المشروع السري الشهير بالرقم 119A. وكان يهدف لضرب سطح القمر بقنبلة نووية... بس كده.. ومن غير ليه! والغرض الرئيس كما يبدو كان لاستعراض الهيمنة العلمية الأمريكية في تأكيد قوة تقنية القنابل النووية، واستعراض القدرة على الوصول إلى القمر الذي يقع على بعد حوالى 385 ألف كيلومتر من كوكبنا. والموضوع كان جادا جدا فقد تم تجنيد بعض من أفضل العقول الأمريكية العلمية وعلى رأسهم عالم الفيزياء الفذ «ليونارد رايفل» ومساعده نجم علم الفلك الشهير البروفسور «كارل سيجان» وبدأت الدراسة للمضي قدما في هذه اللقافة. ولحسن الحظ، تم الاستغناء عن هذه الفكرة بنهاية الخمسينات الميلادية عندما بدأت الإنجازات السوفيتية تبرز واحدة تلو الأخرى في مجال استكشاف الفضاء.. بدأت بالريادة في إطلاق أول قمر صناعي (سبوتنك 1) في أكتوبر 1957 ثم أول رجل في الفضاء، ثم أول رائدة فضاء. ولحسن الحظ فقد تم الاتفاق على معاهدة الفضاء الخارجي الدولية عام 1967 وأحد بنودها الأساسية هو عدم استخدام الأسلحة النووية على القمر أو الأجرام السماوية الأخرى... معاهدة مضادة للقافة. أمنية أكيد أن التصرفات الملقوفة تبدو لأصحابها وكأنها ذكية جدا، ووجيهة جدا قبل وأثناء تنفيذها على الأرض وفي الفضاء. أتمنى أن يقينا الله شر اللقافة بجميع أشكالها، وأنواعها، وأبعادها. وهو من وراء القصد. * كاتب سعودي