الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً بل كان فضاء واسعاً يعبر به العربي عن أحاسيسه فيرسمها لوحة من يقرأها أو يسمع بها يعيش تفاصيلها تملؤها الحكمة الأخاذة والأخلاق السامية الرفيعة أنغام موسيقية تطرب المسامع وترق لها الأفئدة متوازنة بلا خلل ممتعة بلا ملل يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل.. مالك بن الريب التميمي، وكنيته أبو عقبة، نشأ في نجد وهو أحد فرسان بني مازن. شاعر لم يعش شاعراً، ولكنه مات شاعراً . عاش عمره كله يغني بسنانه للحرب، ويعمل لقطع الطرق وسلب القوافل، كان لصاً من أشهر لصوص العصر، ثم تاب ومشى إلى الجهاد في جيش سعيد بن عثمان بن عفان رضي الله عنه، حتى أدركته الوفاة وهو على أبواب خراسان، فرثى نفسه بهذه القصيدة: ألم ترني بعت الضلالة بالهدى وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا وأصبحت في أرض الأعادي بعدما أراني عن أرض الأعادي قاصيا أقول وقد حالت قرى الكرد بيننا جزى الله عمرا خير ما كان جازيا إنِ الله يرجعني من الغزو لا أرى وإن قلّ مالي طالبا ما ورائيا تقول ابنتي لما رأت طول رحلتي سفارك هذا تاركي لا أبا ليا لعمري لئن غالت خراسان هامتي لقد كنت عن بابي خراسان نائيا تذكرت من يبكي علي فلم اجد سوى السيف والرمح الرديني باكيا وأشقرَ خنديدا يجرُّ عِنانه إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا ولكنْ بأطرف (السُّمَيْنَةِ) نسوةٌ عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ ما بيا ولما تراءت عند مروٌ منيّتي وحلّ بها جسمي وحانت وفاتيا أقولُ لأصحابي ارفعوني فإنني يقرُّ بعيني أن سهيل بدا ليا فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا برابية إني مقيم لياليا أقيما علي اليوم أو بعض ليلةٍ ولا تعُجلاني قد تبيّن مابيا وقوما إذا ما استُل روحي فهيّئا لي القبر والأكفان ثم ابكيا ليا وخطا بأطراف الأسنة مضجعي وردّا على عيني فضل ردائيا فيا ليت شعري هل بكت أم مالك كما كنت لو عالوا نَعِيَّكِ باكيا إذا مُتُّ فاعتادي القبور وسلمي على الرمس أسقيتي السحاب الغواديا فيا راكبا إما عرضت فبلغن بني مالك والريب ألا تلاقيا وبلغ أخي عمران بردي ومئزري وبلغ عجوزي اليوم أن لا تدانيا بعيد غريب الدار ثاو بقفرة يد الدهر معروفا بأن لا تدانيا وبالرّمل مني نسوة لو شهدنني بكين وفدّين الطبيب المداويا فمنهن أمّي وابنتاها وخالتي وباكية أخرى تهيج البواكيا