من أهم ما تنبهت له الدولة مشكلة الفساد الذي تتعدد أشكاله وتتنوع جوانبه وتختلف ممارساته وتتشعب مواقعه، لكن نتيجته واحدة، التعطيل والخراب وتشويه المنجزات وبخس المواطن وخيانة الدولة والإضرار بالوطن، ورغم وجود أجهزة حكومية منذ وقت بعيد مثل هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية إلا أنها كانت بمحدودية صلاحياتها غير قادرة على مواجهة الفساد المؤسسي المستشري الذي كان معظمه يتم تحت غطاء أنظمة رخوة مليئة بالثغرات. ثم دخلنا مرحلة ثانية بإنشاء هيئة مكافحة الفساد وحماية النزاهة، وكانت خطوة مهمة أشعرت الجميع أن مكافحة الفساد ليست شعاراً فحسب وإنما مشروع جاد للدولة لمحاصرته في أضيق الحدود وإخضاع مرتكبيه للمساءلة. هذه الخطوة كان لها تأثير نفسي كبير على الفاسدين، لكن جاءت الضربة الكبرى عندما فوجئ الجميع بالحادثة التي اشتهرت بمسمى حادثة الريتز كارلتون، التي لم تستثن أحداً، وتحققت بها للمرة الأولى عبارة «كائناً من كان». ورغم هذا التوجه الجاد المتصاعد في قوته إلا أن التداخلات بين مهام وصلاحيات أكثر من جهة معنية بهذا الشأن كانت تحد من سرعة وفعالية الإجراءات والبت في قضايا الفساد، لتأتي الخطوة الجديدة التي صدرت بها الأوامر الملكية يوم الخميس الماضي كمعالجة للثغرات السابقة بضم جميع الجهات والوحدات الرقابية والضبطية والتحقيقية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري في جهاز واحد مع تأسيس وحدة تتخصص في التحقيق والادعاء لاختصار الإجراءات ودعم قوة القرارات للجهاز. ومن أجمل ما ورد في الأوامر الملكية أمران مهمان؛ أولهما أن التحقيق إذا أسفر عن شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة فإنها كفيلة باقتراح فصل الموظف دون تأثير على استكمال إجراءات الدعوى الجنائية في حقه، والأمر الثاني هو إثبات الموظف العام لمشروعية الزيادة في ثروته عندما لا تتناسب مع دخله أو موارده، وإحالته عند عجزه عن ذلك إلى وحدة التحقيق والادعاء الجنائي في هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وبمعنى آخر نكون قد بدأنا تطبيق مبدأ من أين لك هذا، لكن ذلك يتطلب بالضرورة معرفة ثروة الموظف قبل توليه الوظيفة، خصوصا ذات الصلاحيات المالية والإدارية الكبيرة. مكافحة الفساد مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة إذا نهض الوطن كله لمحاربة الفاسدين في أي موقع بلا استثناء.