عندما كنت صغيراً كان هناك فيلم تسجيلي يعرض بين الحين والآخر، يصور الملك عبدالعزيز رحمه الله وهو يقوم بفتح مدينة الرياض ومهاجمته لحصن المصمك، كنت ولا أزال معجباً بذلك الفيلم التسجيلي، أذكر أنني وأنا صغير كنت أتخيل أنني أحد الفرسان الأربعين الذي قاموا بفتح مدينة الرياض أتسلق أسوار حصن المصمك و.. و.. إلي آخر هذا الخيال الجميل الذي كان ينتهي في كل مرة مع إنتهاء هذا الفيلم التسجيلي. أما الأكثر جمالاً من الخيال مع ذلك الفيلم التسجيلي هو الواقع الذي صنعه الملك عبدالعزيز بتوحيده للمملكة العربية السعودية، واقع من التأٓلف واللحمة بين أبناء وأرجاء المملكة المتفرقة والذين كانوا في غربة عن بعضهم البعض رغم أن بواديهم وقراهم كانت على مرمى حجر من بعضها البعض إلا أنها كانت في غربة وهجر عن بعضها البعض حتي إلتقوا جميعاً تحت راية جمعهم وتوحيدهم تحت لواء المملكة العربية السعودية۔ كان هناك ولا يزال بالطبع الإعتزاز العميق الذي يكنه أبناء المناطق لمناطقهم التي جاءوا منها، هناك إعتزاز أهل الحجاز بحجازهم وأهل الجنوب بجنوبهم وكذلك أهل الشمال بشمالهم والمنطقة الشرقية كذلك، إلا أن العجيب كان الإلتقاء حول منظور ومسمى المملكة العربية السعودية له نكهة خاصة لدي الجميع، إحساس بالإعتزاز والقوة والمنعة تحت لواء لا إلاه إلا الله محمد رسول الله، هذه الراية كانت ولا تزال لكل من هو تحت هذه الراية، الدرع المنيع والسقف الذي تستظل به وتتساوى تحت مسماه جميع المناطق والقبائل في المملكة العربية السعودية. وعندما جاء النفط، جاء معه الإختلاط بالعالم الخارجي بأوسع معانيه ومعتركاته، أصبح هناك ألحاجة إلى هذا الغرب لإستخراج هذا النفط والتعرف على نوع جديد من التعاملات مع ملل وأجناس كان التعامل معها هو أبعد ما يكون عن الفكر في تلك المملكة الحديثة، إلا أن العقل الذي كان يملكه المغفور له الملك عبدالعزيز هو وإخوانه وأبناءه كان هو ذات العقل المؤسس للدول السعودية المتعاقبة وحتى وصلت إلى الدولة السعودية الحالية في أقوي صورها، فكانت عقلية آل سعود تعتمد على خبرات إكتسبتها في تعاملتها مع الأتراك ومع البريطانيين وكذلك العديد من التيارات التي كانت تعج بها المنطقة آن ذاك، فنما الإحترام لدي الغرب لذلك البدوي المحنك والذي ترك أعمق الأثر بداخل كل من رأٓه وإلتقى به، حيث كانوا يدخلون عليه ولديهم إنطباع معين وإذا بهم يخرجون مذهولين من حكمة هذا البدوي وعندما يعرفون قصته وقصة كفاحه وكيف إستطاع توحيد تلك البلاد تحت راية واحدة بإمكانيات أقصى ما يمكن أن يطلق عليها هو أنها كانت إمكانيات بسيطة متواضعة عامودها إيمانه رحمه الله وتصميمه على الوصول والحصول على حقوق آباءه وأجداده وإستعادة ملكهم وأراضيهم، هذا الإيمان وهذا التصميم كان يعوض كل نقص كان يعانيه في الإمكانيات فكان الإلتفاف من حوله وتجمع القبائل السعودية تحت رايته ما هو إلا دليل على إحترام تلك القبائل لذلك الملك الشاب آن ذاك وإدراكهم بحسهم البدوي أنه مقبل بهم على عهد من العزة والمجد لم تشهده الجزيرة العربية على مر العصور۔ كانت الوفود الغربية للدول ومندوبي الشركات العالمية تخرج بعد لقاءاتها معه رحمه الله مبهورة ومعيدة لكل حساباتها، مدركة أن الرجل يملك ذكاء ودراية فطرية توجب عليهم مراجعة حساباتهم إذا كانوا يرغبون في العمل لديه وعلى مملكته۔ ولا يوجد هناك زعيم غربي ولا مدرسة من مدارس العلوم السياسية في جامعات العالم لا يعرف ولا تجد فيها عبارة الملك عبد العزيز الشهيرة عندهم في الغرب أكثر من شهرتها لدينا في العالم العربي للأسف الشديد عندما قال الملك عبدالعزيز لروزفلت في موضوع القضية الفلسطينية ... لماذا لا تستقطعون للإسرائيليين جزء من ألمانيا وتجعلوها وطناً لهم بدلاً عن فلسطين العربية ولقد فعل الألمان بهم كما يدعون الكثير مما يستوجب إقطاعهم بعض الأراضي الألمانية لإقامة دولتهم ولم يفعل بهم العرب الفلسطينيون شيئاً حتى تأتون وتقومون بسلبهم بلادهم، كلمات هزت روزفلت ولولا وفاة روزفلت ومجيئ ترومان مكانه لما نجح التصويت بإقامة دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بشهادة كل عمالقة السياسة الأمريكية آن ذاك وحتي يومنا هذا هناك مدارس سياسية بأكملها تقول أن عبارة الملك عبدالعزيز كان لها وقعاً بالغاً في نفس روزفلت والذي زادت قناعته آن ذاك في عدم التصوييت لصالح قيام دولة إسرائيل ولكن يشاء الله أن يتوفى الله روزفلت فأتت نتائج التوصيت بما أتت عليه بإيعاز من ترومان الصهيوني الهوى والذي يسود الإعتقاد وحتى يومنا هذا أنه كان ينحدر من سلالة تدين باليهودية حتى وإن لم يكن هو نفسه يعترف بذلك وهو أول رئيس أمريكي يسود الإعتقاد بأنه كان يهودياً. وللغرب أيضاً آراء عديدة في حكمة الملك عبدالعزيز وكان أكثر تخوفهم هو أن تقوم بقية الدول العربية بتقليد نموذج المملكة العربية السعودية وتوحيد الأجزاء العربية المتفرقة تحت راية موحدة إلا أن نجاح الغرب في إمعان التفتت في الدول العربية المجاورة لم يجعل في إستطاعة المملكة العربية السعودية سوى توجيه النصحية والدعم المادي لكل من إرتأت المملكة العربية السعودية أنهم يستحقون هذا الدعم. كان الغرب ولا يزال معجباً بأفكار الملك عبدالعزيز رحمه الله، معجبين بقدرته على إمساك العصى من المنتصف فلا هو كان معلناً العداء لهم ولا هو في ذات الوقت مؤيداً لما يقوم به الغرب ويفعله، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كان مدركاً أنه بحاجة إلى هذا الغرب ولكنه ليس مستعداً أن يضحي بعقيدته ومبادئه من أجل تلك المصالح فكان الشد والجذب في كل تعاملاته مع الغرب هي من أهم علامات السياسة السعودية منذ ذلك التاريخ، أسلوب في التعامل الدبلوماسي فاق جيله، أسلوب تعاملت به دول كانت تعتبر بالنسبة للملكة العربية السعودية في أطوار متقدمة ومتحضرة عن المملكة بسنين عديدة وهاهو الملك عبدالعزيز يستخدم بفطرته البدوية نفس الأسلوب بل وينجح في الحصول على كل ما يحتاجه من الغرب بدون تقديم أي تنازلات من أي نوع كان. وإنعكاساً علي الوقت الحاضر كم كنت أتمني على المملكة العربية السعودية الإستمرار على هذا النهج والمنوال، وذلك لأن في رفض المملكة العربية السعودية لعضوية مجلس الأمن خروج عن مبداء المغفور له الملك عبدالعزيز وهو إمساك العصى من المنتصف، إن من الحكمة قبول هذا الموقع ومن حسن الكفاح من أجل قضايانا العربية أن تتواجد المملكة بداخل هذا المجلس والسعي الدؤوب لتغيير قراراته ووجهات نظره حتى تبقى المملكة العربية السعودية هي حكيم المنطقة ورجل المنطقة العاقل الذي يزن الأمور بحكمة وروية تماماً كما كان يفعل المغفور له الملك عبدالعزيز رحمه الله. 1 نافزعلوان لوس أنجليس