وانقضى الصيف أخيرًا... مضى سريعًا وصاخبًا كعادته.. بمواسمه وحفلاته وفعالياته وأعياده، وبنومٍ عميق لا ينغصه رنين المنبهات، ولا يكدره سوى انطفاء أجهزة التكييف فجأة إثر انقطاعات الكهرباء المتكررة... انقضى الصيف كله، أو يكاد، وها هي المدارس تنفض غبار الإجازة عن مقاعدها وقاعاتها، تستيقظ بعد سباتٍ طويل، وهدوء قاتل، ليستيقظ معها كل شيء، وتعود الحياة من جديد إلى الطرقات والمتاجر والحدائق والمساجد... مع ما يصحب تلك الإفاقة المفاجئة من اختلالٍ في التوازن، وارتباكٍ في الخطوات الأولى. يعود الطلاب اليوم إلى المدارس بأحاديث الإجازة والسفر والترحال.. يتساءل أحدهم ماذا لو كان موسم العودة إلى المدارس كمواسم هيئة الترفيه التي جاءت استثنائية هذا العام؟! ماذا لو كان التعليم بالترفيه حقيقةً وواقعًا لا مجرد نظريات تربوية على الورق؟.. يتساءل آخر: ماذا لو استمر الصيف وتأجلت الدراسة؟! ورغم أن الأحاديث عن وضع التعليم والمعلمين لا تنتهي، إلا أنها بدأت هذا العام مبكرًا، حتى قبل أن تنقضي إجازتهم التي هي الأخرى مثار حديث ونقاش لدى شرائح المجتمع، إلا أنه أخذ في التضاؤل مؤخرًا في ظل الحديث عن لائحة الوظائف التعليمية، وما يلحق بها من تخمينات وشائعات تمتد إلى العلاوة السنوية، والدرجة الوظيفية، ورخصة مزاولة المهنة.. بكل هذا الزخم يعود المعلم إلى الميدان التربوي محملاً بمشاعر سلبية أو إيجابية حيال كل ما سمع أو قرأ، يعود إلى الميدان مستشعرًا أن مهمته الأساسية والنبيلة تتمثل في الأخذ بيد هذا الطالب أو ذاك للوصول به نحو تحقيق الأهداف والغايات التربوية المنشودة، بعيدًا عن كل ما يثار هنا أو هناك من مثبّطات أو موثّبات. ولا يزال الحديث عن التنظيمات والتحسينات التي أقرتها الوزارة على هيكلها التنظيمي والتعليمي مبكرًا بطبيعة الحال، إذ إن قياس أثر مثل هذه الإجراءات يحتاج وقتًا كافيًا للحكم عليه، ولا أعتقد أن ذلك يخفى على الوزارة ومنسوبيها، إلا أن الإعلام بوسائله القديمة والحديثة آخذٌ زمام المبادرة في إطلاق حملات تستهدف همم المعلمين، وتثقل كواهلهم بكمٍّ هائل من الرسائل السلبية التي ينعكس أثرها على أداء المعلم ونفسيته، في وقتٍ هو أشد ما يكون فيه إلى من يشعره أنه يقف إلى جانبه ويدعمه في إتمام مهمته النبيلة التي يمتد أثرها إلى المجتمع بأسره. كل عام والتعليم ومنسوبوه بخير وإلى خير، وعودًا حميدًا إلى ميادين التعليم والمعرفة والإبداع، ونتمنى أن لا ينقضي هذا العام الدراسي إلا وقد تحققت الأماني، وأُنجزت الأهداف والغايات، وصار الحديث عن التعليم ذا وقعٍ محببٍ على النفوس، لا حديثًا محزنًا ذا شجون.