يتعرض الطلاب والطالبات لسيل جارف من مغريات العصر الحديث، وتحديث مستمر لمعلوماتهم المعرفية من خلال التغذية الدراسية، مما يجعلهم في حيرة من أمرهم خلال مواكبة تلك المتغيرات، أو استقبال معلومات أكثر من 13 مادة علمية وتاريخية ودينية طيلة 178 يوماً أقرتها وزارة التربية والتعليم كأيام دراسية لهذا العام، لهذا استوجبت تلك الضغوطات المعلوماتية وجود إجازة يستجمع من خلالها الطلاب والطالبات قواهم ونشاطهم الذهني والبدني والنفسي. وقد أقرت وزارة التربية والتعليم في التقويم الدراسي لعام 1431-1432ه للطلبة والطالبات 29 يوماً كإجازة رسمية خلال عام دراسي كامل، مجزأة على ثلاث فترات حيث بلغت إجازة عيد الأضحى 11 يوماً، وإجازة منتصف العام 9 أيام، بينما عدد أيام إجازة منتصف الفصل الدراسي الثاني 9 أيام. "الرياض" أرادت معرفة مدى ملاءمة تلك الإجازات القصيرة التي يحظى بها الطلبة خلال عام دراسي كامل من عدمها، فحرصت من خلال هذا التحقيق على معرفة الأبعاد التربوية والنفسية للطالب، والاقتصادية للأسرة. تسعة أيام لا تكفي بعد ثلاثة أشهر من ضغط معلوماتي في المواد الدراسية هدر تعليمي واقتصادي في البداية وصف "محمد القحطاني" -أحد أولياء الأمور- تلك الإجازات القصيرة بأنها غير مدروسة، وليست كافية وقال: إنها تجبر الطالب على أن يخترع الحجج لربط إجازته مع أخر وأول أيام الدراسة، مما يتسبب في وجود هدر تعليمي بجانب الهدر الاقتصادي الذي تتعرض له الأسرة، من خلال ضغط الأبناء ورغبتهم الملحة بقضاء إجازتهم -غير المجدية- من خلال السفر أو استئجار الشاليهات، فما أن تصل الأسرة إلى مكان الترفيه إلا وعادت مرة أخرى لحزم الحقائب، نظرا لقرب موعد الدراسة، مقترحاً أن تدمج إجازة منتصف الفصل الدراسي الثاني مع إجازة نهاية الفصل الدراسي الأول، كي يستفيد منها الطلبة والأسرة بالشكل المطلوب. فترة نقاهة بينما رأت "عبير حسين" -والدة طالب-، أن الإجازة ما هي إلا اكتمال للمنظومة التعليمية، وتعد فرصة لاكتساب معارف متنوعة وممارسة لأنشطة بدنية، مشيرةً إلى أنها تؤيد تلك الإجازات القصيرة، والتي من شأنها أن تجدد النشاط لدى الطالب دون انقطاع طويل عن العملية التعليمية، مضيفةً أنه يجب أن يعد جيداً لهذه الإجازة من قبل الوالدين، على اعتبار أنها فترة نقاهة للجميع بعد روتين يومي يتطرقه الملل. د.الشكرا: قصيرة ولا تحقق أهدافها غير كافية وترى "أثير الغامدي" -طالبة الثانوية العامة- أن فترة الإجازة غير كافية، ويتضح ذلك من خلال أنها ما أن تندمج مع أجواء الإجازة إلا وتداهمها أنظمة الدراسة من النوم المبكر والمذاكرة المتواصلة، مطالبةً أن لا تقل الإجازة عن ثلاثة أسابيع، فهي تُعد استكمالا للمنظومة التعليمية، من حيث تنوع التلقي بالتجربة من خلال السفر أو الأنشطة العائلية واكتساب الخبرات الذاتية. وتؤيدها "ريم السيف" طالبة المرحلة الثانية بضرورة تمديدها، وتذكر أن تلك الإجازات القصيرة تسبب "ربكة" للطالب والأسرة وكذلك المعلمات، مضيفةً أنه بعد طيلة الثلاثة أشهر من ضغط معلوماتي تحتاج الطالبة إلى إجازة وفترة نقاهة، تسترد من خلالها قواها ونشاطها لتلقي العلم. بادي الشكرا تغيب الطلبة ويقول "د.بادي الشكرا" -المشرف العام التربوي في وزارة التربية والتعليم-: إن تراكمات الدراسة المتواصلة والتي يغلب عليها الأسلوب النمطي التقليدي؛ بسبب قصور المناهج وكثرة المعوقات الاجتماعية المؤثرة فيها بشكل كبير، تجعل من نفسية المتعلمين تحت ضغوط رهيبة تستدعي الاستفادة من جميع الإمكانات المتاحة من مراكز ترفيهية وميادين رياضية، مؤكداً أن الإجازة بوضعها الحالي في منتصف العام والفصل أو في الأعياد، قصيرة وغير كافية، بدليل كثرة تغيب الطلاب قبلها وفي نهايتها، والذي له تأثير سلبي على المدى البعيد، مشيراً إلى أنه بدلاً من تنظيم وتجديد النشاط ، يتكون سلوك سلبي وإحباط مستديم ينتقل فيما بعد على مراحل التعليم العام والجامعي. د.مريم الرحيلي: وضعها الحالي مناسب متنفس للجميع وشدد "د.الشكرا" على أن هذا السلوك سيلازم الطلبة من حيث عدم الاكتفاء بالراحة في مراحل متقدمة من مشوارهم الحياتي، والذي سيمتد إلى عملهم الوظيفي مستقبلاً، مبيناً أنه على المدى القصير يؤدي هذا الانقطاع إلى بتر الخبرة التعليمية وقصورها، مضيفاً أن تلك الإجازات تمثل متنفساً للجميع وفترة استجمام وتنظيم للمعلومات كي يتشربها العقل، مرجعاً نفور الطلاب من قصر هذه الإجازات إلى ضعف المكون التعليمي وقلة جاذبيته، وعدم ملاءمته للخصائص العمرية والنفسية للطالب، فهو لا يقدم الجديد والمفيد حسب قناعتهم، إضافةً إلى حاجة المتعلم إلى فترات أطول للخلوة مع النفس، لما في ذلك من أثر إيجابي ينمي القدرة على التفكير والمهارات الاجتماعية، لافتاً إلى أن الحل الأمثل يتمثل في تمديد الإجازات عندما توافق جزء من الأسبوع، إلى جانب وضع برامج للمدارس أثناء الإجازة؛ لاستمرار تواصل الجذب والارتياح بين الطالب ومدرسته، ولا تمثل ما يشبه المعتقل الذي يفر منه بسعادة ويعود إليه بحزن وكآبة، كما يمكن للقائمين على المنهج وضع مقررات أكثر تخصصية ومرونة بحسب ما يميل إليه الطلاب ويفيدهم في مستقبل حياتهم الوظيفية. د.سحر رجب الأسرة هي السبب وتقول "د.مريم الرحيلي" -خبيرة التطوير المهني لمناهج العلوم المطورة في وزارة التربية والتعليم-: إن الإجازة القصيرة والتي تقتصر على أسبوع، أفضل بكثير من الإجازات الطويلة والمتوسطة، والتي غالباً لا يستثمرها الطلاب والطالبات بالشكل الصحيح؛ لجهلهم بالهدف الذي وضعت من أجله، كما أن الإجازات الطويلة تسبب فجوة في العملية التعليمية، بالإضافة إلى أبعادها الخطيرة على شخصية الطالب، بحكم أن المخ لا يُشغل خلال الإجازة بالصورة التي كان عليها أثناء الدراسة، مما يسبب له الكثير من الخمول ويؤثر على كفاءته، محملةً المسؤولية في عدم تهيئة الطالب للتكيف مع تلك الإجازات القصيرة، على عاتق الأسر التي يجب أن تجعل الطالب قريباً من العملية المعرفية، والتي من شأنها أن تحافظ على نفسية الطالب وتحميه من الاضطرابات المرهقة. د.سحر رجب: مفيدة ولها أثر إيجابي توتر نفسي وأوضحت "د.سحر رجب" -الاستشارية النفسية- أن الإجازات القصيرة تُعد أفضل للطالب عند عودته مرة أخرى للدراسة، دون أن يشعر بثقلها أو ينتابه الخمول العضلي والذهني من طولها، والذي يستوجب عادةً أن يأخذ الطالب خلال عودته مدة قد تمتد إلى أسبوعين كي يستطيع أن يتقبل مجريات الدراسة بشكل طبيعي، مضيفةً أن علماء النفس يحذرون من اكتئاب ما بعد الإجازة، حيث تتفاوت حماسة العودة إلى جو الدراسة والعمل مجدداً من شخص إلى آخر، وخصوصاً بعد الإجازات الطويلة، في حين من المفترض أن تكون العودة ذات نشاط أكثر بعد أخذ قسط وافر من الراحة، والتخلص من قيود وروتين اليوم الدراسي، مشيرةً إلى أن هناك شريحة كبيرة من الطلاب لا تناسبها الإجازة القصيرة، والتي قد تخلف لهم توترا نفسيا لعدم الراحة النفسية الكافية والاسترخاء الذهني، والتي تتطلب أن يجد الطالب من خلالها فترة معقولة يكافئ فيها نفسه بالترفيه والاسترخاء النفسي، وهو ما يساعد الطلاب على التفرغ لمهام جديدة، وأيضاً تهيئتهم لاستيعاب قدر معلوماتي كبير حين يعودون لمقاعد الدراسة. د.امتثال الثميري: قد تخلق مشاكل مادية نتائج رائعة وترى "د.سحر رجب" أن الإجازات القصيرة تعد أكثر فائدة وأقوى أثراً، حيث يستشعر الطالب فيها كل يوم يمضي، بل ويحرص على استغلال كل لحظاته للاستمتاع والترفيه من خلال السبل المتاحة، ذاكرةً أنه من الناحية النفسية فإن الإجازات القصيرة بين الفينة والأخرى تعطي نتائج رائعة؛ لما لها من فوائد عدة، وخاصةً إذا كان فيها برنامج سريع ومدروس بطريقة جيدة، تدفع الطالب لممارسة أنشطة ذات فائدة وقيمة مرجوة. مشاكل مادية ومن الناحية الاقتصادية رأت "د.امتثال الثميري" -أستاذ علم الاقتصاد- أنه من المشاكل الأساسية للمجتمع البشري هي مشكلة المال والموازنة بين الموارد والمصروفات غير المقننة، والتي ترهق اقتصاد الأسرة وخاصة في أوقات الإجازات، مضيفةً أن تلك الإجازات قد تخلق مشاكل مادية تتضح صورتها الأكبر بعد انتهاء مرحلة الإجازة والعودة إلى الروتين اليومي للعمل والمدارس، كما أن تلك الإجازات تترك أثراً اجتماعياً كبيراً في أفراد الأسرة بالمجتمع، إذا حظيت بوقت كاف وتخطيط مسبق، حيث تساهم بتنشيط الموظفين والطلاب، وتساعدهم على الاستمرار في أداء واجباتهم باقتدار، في وقت تخلق فيه الإجازات أثراً اجتماعياً طيباً عند أفراد العائلة، مشددةً في الوقت نفسه بضرورة تحقيق أقصى درجات الاتساق بين الأهداف الاجتماعية والأبعاد الاقتصادية للإجازات، والتأثير الايجابي لها على الترابط الأسري والنظر بجدية للبعد الاقتصادي. فائض شهري وأوضحت "د.امتثال الثميري" أن الضغوط المالية على ميزانية الأسرة، في ظل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الحالية، إضافةً إلى ارتفاع تكاليف المعيشة الدائمة، أكثر وأهم ما يشغل بالها، ويحتل النقاش حول هذه المواضيع مساحات كبيرة؛ بسبب سوء تدبير الموارد المالية أو زيادة المصروفات وعدم تقديرها والتخطيط لها؛ بسبب ضيق الوقت وضغط الأبناء على الأهالي، مؤكدةً أنه كي تتعامل الأسرة مع تلك الضغوط الترويحية للطلبة والأسرة على حد سواء وتنظيم الميزانية، تحتاج إلى بعض الجهد المنظم لضبط ما يغطي كافة الاحتياجات من مسكن وغذاء وملبس والاحتياجات الأخرى، مشيرة إلى أن هذا الجهد والتنظيم سيعود بنتائج تضمن توفير فائض شهري للأسرة، ونماء في مدخراتها، مما يساعدها على تأمين مستقبلها، أو الاستفادة من هذا الفائض للترفيه والاستمتاع في أوقات الإجازات. "ثقافة التقسيط" وأكد "د.امتثال الثميري" أنه متى ما وُجدت ميزانية متوازنة وأفراد يقدرون مسؤوليتهم، قلت إمكانية التعرض للهزات المالية نتيجة أي ظرف طارئ أو ضغوطات عاطفية بسبب الأبناء، كما أن انتشار ثقافة الاستهلاك والمبالغة في زيادة الرغبات الاستهلاكية لدى متوسطي الدخل، ساهمت في تنامي هذه المشكلة، مما جعلت إدارة الميزانيات أمراً يحتاج إلى وقفة جادة وأفراداً على قدر كبير من الحرص والتخطيط المحكم، تلافياً للوصول إلى "مديونيات" ترهق كاهل الأسر، وتعطل قدرتها على العيش في حياة مستقرة، نتيجة إجازات قصيرة غير مجدية لتلك الأزمات المالية، منوهةً بضرورة ترشيد المصروفات لكل أسرة، كما أن شيوع "ثقافة التقسيط" عند كثير من الأسر، كان بالإمكان تجنبها، لو تم التحكم في ميزانيات هذه الأسر وفق ظروفها ومواردها.