أخرج مؤذن القرية كفه من تحت الكِسا وأعادها سريعاً مردداً «أحوووه يا وجه الله يا تا الصردة» كشفت زوجته البطانية عن وجهها وقالت: وشبك تحوحي البرد من قيس اللحاف. أخبرته أنها طرّفت له ماء جنب الملّة، قالت: أطهر به أمداه دفي. تناول الكفكيرة من فوق الحِرانة، وصب منها في طاسة ثم زاد عليه من القربة وخرج ليتوضأ. كان الضباب ضاك إلى العابر. نزل من الدرجة وهو ما يشوف وين يوطّي رجله. تواسى في ركن الجرين، وإذا به يسمع خرفشة، فانتقز شارد وخلى الطاسة مكانها وما ارتفع سرواله إلا بعد ما أغلق باب البيت. قال لزوجته: قومي سكّنيني أروح أوذّن. فقالت: لا أحد يسمعك من الورعان. فأقسم عليها أن تبدي معه. تضيح له بالفانوس. وهما في أوّل المسراب نخرت حمارة الجيران من السفل فطار الفانوس من يدها وعودوا يتساعون. أسفر النهار وفات وقت الأذان فنصحته يدخل من سافلة الجيران ويعبر السفول حتى يصل المسيد. شاف حذيان الفقيه المزخرفة بالسيور عند الباب فاطمئن، دفع الباب الخشبي، ودخل فإذا بالفقيه يشهق ودموعه كما الخرز، احتضنه من وراه، وسأله «لا يكون جرى على الإسلام خلاف يا رفيقي»؟ هزّ الفقيه رأسه يمين ويسار. تلاحق المؤذن صلاة الفجر، واقترب من الفقيه، ليتخبره عن سر هذي البكوة الحارة، فأوضح أن أمه وحرمته أبين يتوالفن، وأضاف: «هبوا لي فتنة، أمي بنزين ومرتي نار، كلّ يوم وأنا معهن في شأن، وما أدري وش أسوّي. هتل الدموع مجدداً، ربّت المؤذن على كتفه. وقال: عزّ الله حرمتك يصلّى في طرف ثوبها. نشده: انته ما معك أخت متزوجة في البادية؟ أجابه: إلاّ، ولكن لي عنها مدة، وزوجها نقّال عمود. لكن ليش تنشدني؟ حكّ المؤذن قفاته وقال: باشور عليك شور ولا تزرى عليّه. ودّها عند أختك. قفز من مكانه وسلّم في رأسه مردداً «أنا لويّتك الله يسعدك في هذا الشور المثمر». عاد إلى البيت وسمع الأصوات تلعلع، واحدة تبدع والثانية ترد. تناول الدلة وأعد القهوة، واقترب من والدته وقال: «العلم خير». للحديث بقية. علمي وسلامتكم...