رحل رئيس كل التونسيين، الباجي قايد السبسي، اليوم (الخميس)، في المستشفى العسكري بالعاصمة، وسيتم الإعلان عن مراسم الدفن في وقت لاحق. وكان السبسي الرئيس المستنير، وعراب المنطقة، فاز على منافسه المعارض لحكم بن علي لفترة طويلة منصف المرزوقي، في انتخابات شهدت استقطاباً حاداً بين الإسلاميين ومعارضيهم من مختلف التيارات. وقد نظر البعض لفوز السبسي برئاسة البلاد على أنه رجوع لرموز مرحلة بن علي للساحة السياسية، خصوصا في ظل تبنيه «قانون المصالحة الوطنية» ودفاعه عنه. لكن السبسي أكد في خطاب الفوز بالرئاسة على أهمية المصالحة الوطنية، وتعهد بأن يكون رئيساً لكل «التونسيين رجالا ونساء». ولد السبسي في 26 نوفمبر 1926 لأسرة من العاصمة التونسية، وهو محام ورفيق درب للحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس عقب الاستقلال عن فرنسا، ويعد السبسي أحد مخضرمي الحياة السياسية في تونس، صنعتها مسيرتة طويلة التي تولى خلالها مناصب عدة، حتى أصبح رئيسا بعد مرحلة انتقالية محورية لتونس عام 2014. درس المرحلة الثانوية بمعهد الصادقية معقل النخب التونسية، ثم التحق بجامعة السوربون بباريس لمزاولة دراسته في الحقوق. بعدها، عاد السبسي إلى بلاده ليمارس مهنة المحاماة، حيث تعهد بقضايا المقاومين المحالين من قبل سلطات الحماية الفرنسية على المحكمة العسكرية، ورافع عن عدد من المناضلين المحكومين عليهم بالإعدام من طرف المستعمر الفرنسي. وتقلّد بين عامي 1956 و1986 مسؤوليات هامة في الدولة، أبرزها منصب وزير الداخلية ووزير دولة مكلّف بالدفاع ووزير الشؤون الخارجية، وسفيرا لتونس بباريس وبون. بعدها بثلاث سنوات، تولى السبسي رئاسة مجلس النواب لمدة سنة واحدة، ثم غادر على إثرها الحياة السياسية عند انتهاء المدة النيابية سنة 1994، وتفرغ لممارسة مهنة المحاماة من جديد لمدة عقدين. وفي عام 2011، عين السبسي رئيس وزراء، بعد بضعة أسابيع من قيام الثورة، حيث قاد حكومة نظمت أول انتخابات حرة في تاريخ تونس، في اقتراع فازت به حركة النهضة، وحصلت على أغلبية نسبية في المجلس الوطني التأسيسي. وفي يونيو 2012، أسس نداء تونس، وبعد سنة 2013 التي تخللتها أزمات سياسية وأعمال عنف نسبت إلى التيار المتطرف بالبلاد، اتفقت الطبقة السياسية التونسية على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قبل نهاية 2014. وفاز السبسي يوم 21 ديسمبر 2014 برئاسة تونس بنسبة أصوات بلغت 55.68 في المئة، ليصبح أكبر رئيس دولة يتولى مهامه، بعد ملكة بريطانيا إليزابيت الثانية. ويعرف عن الباجي اقتناعه بأهمية صون كيان الدولة وضرورة احترام المؤسسات، الأمر الذي لم يتناف مع إيمانه بضرورة انفتاح النظام ودمقرطة الحياة السياسية. وحرص منذ توليه مقاليد الحكم على ترسيخ المسار الديمقراطي، وتكريس روح التوافق الوطني والدفاع عن هيبة الدولة، وإعادة تموضع تونس وتعزيز حضورها على المستويين الإقليمي و الدولي.