لا شك أنكم جميعا لاحظتم الازدحام الشديد على المساجد لأداء صلاة العيد، ولا شك أنكم تساءلتم في قرارة أنفسكم عن سر هذا الإقبال غير المسبوق والمنقطع النظير (مع أنها فرض كفاية)، ولا شك أنكم لاحظتم تلك الفرحة العارمة التي علت الوجوه، وتلك النشوه، والابتسامة، وحب الحياة، التي تشع نورا وعطرا من ملامح المصلين، حتى خطبة الإمام التي تعودنا فيها الغلظة والتحذير من مظاهر الفرح استحالت غيمة مشبعة بالأماني حملت الغيث لحقول أفراحنا الجرداء حتى أنبتت الزهور والرياحين والأحلام الوردية. ذهب (الغلو) وابتلت (القلوب) وثبت الأجر إن شاء الله، وأصبح من الطبيعي أن يحتفل المسلم برؤية هلال شوال ليلة 29 وقد أتم عبادة الصيام والقيام، بعد أن كان يبدي الأسى والحسرة على مدى عقود من الرياء والتنطع مفسدا عيده بفكرة أنه خسر التزود بالأعمال لأنه لم يتم الثلاثين من رمضان ! إنه اليوم الرابع من العيد ولا زلنا نحتفي بإتمام شهر رمضان المبارك، بعيدا عن دعاة الغلو والتطرف، وكأننا ذلك السجين الذي قضى نصف عمره خلف القضبان إثر جريمة لم يرتكبها، جريمة كانت ضحيتها شابة جميلة اسمها (فرح) قتلت غيلة على يد المتشددين بدعوى أنها غير محتشمة، والذين ألبسوا التهمة على المجتمع بأسره حتى وصفته بقية الشعوب بالإرهابي المعادي للحياة، مع أن قلبه يفيض بالفرح وملامحه تشع بالبراءة ولكنها نفوذ المتنطعين وسطوتهم خلال حقبة بائسة من الزمن. لن أبالغ إن قلت لكم إنها المرة الأولى التي أرى فيها أحد المشايخ يعايد متابعيه بأغنية (ياليلة العيد آنستينا)، وهي المرة الأولى التي أسمع فيها فتوى وسطية تحث الناس على تأجيل صيام الستة من شوال حتى انتهاء الأيام الثلاثة من العيد والتي يستحب استغلالها في بث الفرح والسرور، وقد تكون المرة الأولى التي تغيب فيها تلك الفقرات البدائية والشيلات المزعجة عن برامج الفرح بالقاعات والاستراحات لتحل بدلا عنها الأغاني الجميلة والألحان الفرائحية التي ترسم السعادة على وجوه الأطفال قبل الكبار. بل لن أبالغ إن قلت لكم إنها المرة الأولى التي نحس فيها بطعم العيد بعد أن كنا ننصب له الخيام والتيازير لنستقبل وفود المعزين والمواسين برحيل شهر رمضان الكريم !