كما أن الإنسان ليمكنه رؤية نفسه يجب أن ينظر في المرآة، فبالمثل صورة المجتمعات يمكن رؤيتها بمرآة الروايات والأفلام والمسلسلات، وعندما ننظر إلى مرآة الشعوب المتقدمة نرى الخيال العلمي والمستقبلي يهيمن عليها، بينما عندما ننظر للروايات والأفلام والمسلسلات العربية نرى وللأسف يستبد بها اجترار ما توصف بثقافة «الحَوارِي» أو «الحارات» -جمع حارة- الماضية والبائسة، وهذا له دلالة بالغة السلبية بالنسبة للعقلية والنفسية الجمعية العربية، ولفهمها يجب التذكير بأن الإنسان مكون من طبيعتين؛ الأولى: بدائية غرائزية همجية لا واعية مشتركة مع الحيوانات ومركزها؛ «غرور الأنا»، وهي تقاوم الوعي والتحضر والتطور والتقدم والترقي والانتظام الحقوقي، والثانية: الطبيعة العليا الربانية الواعية التي يتفرد بها الإنسان، ومركزها؛ المثاليات العليا، وهي محرك قوى التحضر والتطور والتقدم الفكري والثقافي والحقوقي، وهيمنة ثقافة الحارات الماضية والبائسة بكل عنترياتها السخيفة الفارغة وتصويرها المتخلف النمطي للنساء وتمجيدها للهمجية والعنجهية والسلوك السوقي والعنيف يدل على أن العقلية والنفسية العربية لا تزال عالقة في مستوى الطبيعة البدائية ولم ترتق إلى مستوى الطبيعة العليا، ولهذا غاب بالكامل تخصص روايات وأفلام ومسلسلات الخيال العلمي والمستقبلي عن العرب الذي يتطلب ملَكات العقلية العليا، وللإنصاف هناك نكوص عالمي عن ثقافة الطبيعة العليا المتحضرة التي كان يمكن رؤيتها بوضوح بثقافة أفلام الأبيض والأسود، حيث كان الرجال يبدون ويتصرفون ك«جنتلمن» أي كرجال أرستقراطيين، والنساء يبدين ويتصرفن ك«ليديز» أي نساء أرستقراطيات، لكن حاليا تتزامن عودة تيارات التعصب العنصري البدائي الهمجي عالميا مع انتشار أفلام ومسلسلات تمجد الحياة في العهود الهمجية السحيقة حيث غرور الأنا وعصبياته وعنفه وفحشه منفلت من كل عقال للتحضر ومثالياته وضوابطه، وهذا أدى لتراجع الرقي والتهذيب في السلوك الشخصي عالميا، لكن مع فارق جذري وهو أن المجتمعات الغربية يمكنها محاصرة تداعيات تلك الثقافة السلبية التي تأتيهم من مواد الترفيه السامة بالقوانين الحقوقية المطبقة لديهم، بينما في الشرق حيث لا تزال القوانين الحقوقية غائبة وتسود فوضى السطوة الذكورية والحروب والإرهاب؛ فما يراه العرب من أنماط همجية ومتخلفة في المسلسلات والأفلام يطبقونه بلا رادع، ومن يزعم أن جعل النساء بمثابة كيس ملاكمة للرجال بالمسلسلات هو مناصرة لحقوقهن فهذا زعم باطل؛ فالناس يتبرمجون بظاهر ما يشاهدونه ويقلدونه بلا وعي، وغالب مقدمة وأحداث المسلسلات بخاصة الكويتية تتضمن تعنيفا ماديا ونفسيا للنساء، ومن يريد معالجة ظاهرة العنف الأسري عليه تقديم نمط السلوك الراقي الأرستقراطي في التعامل مع النساء كالذي في أفلام الأبيض والأسود العربية. * كاتبة سعودية