ماذا تعني مقولة «سلوك حضاري»؟ حيث يوبخ أصحاب السلوكيات السلبية بأن سلوكهم «غير حضاري»، الجواب يكمن بفهم الفارق بين مفهومي التمدن والتحضر؛ فالتمدن هو العيش في المدن، أما فهم مفهوم التحضر فيتطلب التذكير بأن للإنسان طبيعتين مختلفتين؛ طبيعة بدائية همجية لا واعية وتتمثل بالأنا الغرائزية وغرورها النرجسي الأناني، وهي مشتركة مع الحيوانات. والطبيعة الثانية طبيعة عليا ربانية واعية يتفرد بها الإنسان، والمجتمعات والثقافات غير المتحضرة هي التي تستبد بها ثقافة الطبيعة البدائية وإن عاشوا بناطحات سحاب، والفارق بين الثقافة والمجتمعات البدائية اللا واعية غير المتحضرة والثقافة والمجتمعات الواعية المتحضرة يكمن في؛ الضبط الذاتي للنزعات والأهواء الغرائزية اللا واعية، وعلى سبيل المثال؛ التحرش والاغتصاب حتى بين الأزواج، والعلاقات غير المشروعة، والتعدد المنفلت بالزوجات، والزواج الذي فيه أضرار بالطرف الآخر كزواج القاصرات والزواج بالإكراه يعني أن الشخص ليس لديه أي ضبط ذاتي لنزواته الغرائزية أي أنه همجي، والعدوان على حقوق الآخرين «الظلم» والتسلط والإكراه والقمع والاضطهاد والعنصرية كالعنصرية ضد النساء والعصبيات وتحريضها الغوغائي «الديماغوجي» والعنف بأنواعه المادية والمعنوية، الفردية والجماعية يعني أن صاحبه ليس لديه أي ضبط ذاتي لأهواء «غرور الأنا» الغرائزي الذي يمكن رؤية أنماطه بالحيوانات كجماعات القرود وسلوك القرد الذكر المهيمن. وبالتالي فاعلها همجي شابه سلوك القرود، ومنها أيضا الجرائم الجنائية وجرائم الفساد المالي والإداري. فحسب د. جونثان جلوفر أكاديمي تخصص بدراسة أسباب السلوك الإجرامي وعينته لجنة الاتحاد الأوروبي كرئيس لهيئة الأبحاث الأخلاقية، ومحليا دراسة ميدانية للباحث فهد البازعي بعنوان «دراسة لبعض العوامل النفسية المرتبطة بالعودة إلى السجن بمدينة الرياض»، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، «فغرور الأنا» غير المنضبط هو سبب الجرائم وتكرار العودة للسجن، ومفهوم التحضر يفسر سبب تصدر الدول الأوروبية قوائم أكثر الدول سعادة ونزاهة وأقلها بمعدلات الفساد المالي والإداري والجرائم الجنائية والحقوقية وأقلها إرهابا وحربا، رغم أنها الأقل تدينا لكنها الأقدم والأرسخ تحضرا. بينما الدول الأقل تحضرا أكثرها تعاسة ومعاناة من الفساد المالي والإداري والجرائم الجنائية والحقوقية والإرهاب والحروب رغم أنها أكثرها تدينا، وأمريكا وهي أعلى دولة غربية تدينا فمعدلات العنف والجرائم والإرهاب والحروب فيها تماثل تلك الدول غير الأوروبية المتخلفة لأنها حديثة التحضر نسبيا، ومن جهة أخرى بالإضافة لضبط النفس عن الأنماط السلبية ومنها الكسل وتلويث الأماكن العامة بالنفايات وعدم ضبط الانفعالات، فمن التحضر؛ ضبط النفس بإلزامها بالمثاليات العليا كالجد والنزاهة بالعلم والعمل «ثقافة العمل»، والاستقلالية الفكرية، ودقة المواعيد. * كاتبة سعودية [email protected]