حتى الأطفال لا يمكنهم تصديق الرواية التركية التي روجتها حكومة أنقرة عن حادثة تعذيب وقتل الدكتور الفلسطيني زكي يوسف داخل سجنه في إسطنبول.. تلك الرواية التي تزعم أنه انتحر برباط بنطاله على باب دورة المياه.. هكذا بكل بساطة. الدكتور زكي يوسف الرجل العربي البسيط ذو الخمسة وخمسين عاماً سافر إلى تركيا بحثاً عن عمل يكفل له ولأسرته لقمة العيش الكريمة، ولم يدر في خلده يوماً أنه سيكون ضحية جديدة لجنون الديكتاتورية التركية وتخبطها الأمني والسياسي، إذ تم اعتقاله قبل أسبوعين داخل مطعم في إسطنبول مع رفيقه وابن جلدته سامر شعبان اعتقاداً من معتقليهما أنهما إماراتيا الجنسية، ثم عندما تبين أنهما فلسطينيان بدأت محاولات تلبيسهما تهمة التجسس لصالح دولة الإمارات، وأغلب الظن أن صمود زكي وإصراره على براءته من هذه التهمة الملفقة (ذات الدوافع السياسية) أديا إلى تعذيبه حتى الموت رحمه الله. السلطات التركية التي اعتادت أن تزرع الكاميرات السرية في كل جدار وزاوية في الشوارع والميادين وحتى الأزقة المهجورة تريد أن تقنع العالم بأنه ليس لديها كاميرات في سجونها تسند روايتها العرجاء، وليس لديها أي تسجيل لحادثة الانتحار المزعومة، هكذا بكل سذاجة تريد طمس جريمة بهذا الحجم وكأنها لم تحدث! نعرف أن المتهم بأي جريمة جنائية عادية داخل أي سجن في العالم لا يمكن أن يغيب للحظة واحدة عن رقابة الحراس وكاميرات السجن، فكيف يستطيع معتقل بتهمة كبرى كالتجسس أن يقضي وقتا طويلاً في تجهيز مشنقة لنفسه واستخدامها ومغادرة الحياة دون أن يعلم به أحد، هذا «تهريج» لا يقبله عقل ولا يمكن أن ينطلي على أحد، وهو يستلزم تحرك مجلس حقوق الإنسان في هيئة الأممالمتحدة لتشكيل لجنة تحقيق دولية في القضية واستلام الجثة ومن ثم تشريحها على أيدي خبراء دوليين لمعرفة السبب الحقيقي للوفاة بأسرع وقت قبل أن تتخلص منها السلطات التركية في مقبرة مجهولة كما يتم التعامل مع جثث المعارضين الأتراك. محامي الفقيد الفلسطيني وبعض أفراد أسرته أكدوا بحسب تصريحات صحافية أنه كان يستعد للخروج من سجنه بحكم محكمة لعدم ثبوت التهمة عليه وافتقار المحققين لأي دليل يدينه، فكيف يمكن تصديق حكاية انتحار شخص يعلم أن بينه وبين الحرية والخلاص من قضية خطيرة كهذه مجرد ساعات؟ السيناريو الذي يمكن قبوله منطقياً لما حدث هو أن الفقيد توفي على أيدي المحققين نتيجة التعذيب الذي لم يستطع جسده المنهك تحمله، ولكي يتخلص قاتلوه من هذه الورطة تم ابتكار حكاية الانتحار الساذجة والإعلان عنها رسمياً، وهنا يأتي دور المجتمع الدولي وهيئات ومنظمات حقوق الإنسان، إذ يجب أن يتم التحرك على أوسع نطاق للمطالبة بتسليم المحققين المتورطين في الجريمة لجهات قضائية دولية مستقلة، وعلى الحكومة التركية أن تستجيب لذلك أوتُعامل كسلطة مارقة وتفرض عليها بالتالي العقوبات الدولية التي تستحقها. * كاتب سعودي Hani_DH@ [email protected]