مازلت أتذكر بيتنا الشعبي القديم الذي تتوسطه شجرة ليمون كبيرة تظلل فناء البيت، وثمار الليمون التي كانت تصنع منها جدتي ليموناضة باردة تخفف من وطأة الصيف ولهيبه. كانت جدتي آمنة -رحمها الله- تحب زراعة الأشجار والأزهار؛ لأنها من بيئة زراعية جبلية خصبة، كانت معظم الفواكه والخضراوات نأكلها طازجة من بيتنا. كنت أنتظر وقت ما بعد العصر بفارغ الصبر حتى أرى أزهار الفل اليمني تتفتح وتطغى تلك الرائحة الزكية، وتختلط برائحة أزهار شجرة الحناء العتيقة، كل شيء كان جنّة غنّاء بالنسبة لي. كان مبلغ الريالات العشرة آن ذاك يكفي لشراء عشاء فاخر، ساندوتش بريال، وببسي بريال، كان مصروفي المدرسي 3 ريالات، وكنت أوفر ريالاً من كل مصروف، الآن لا تأتي الريالات العشرة بقيمة ساندوتش فلافل! الجشع أصاب الجميع، القناعة مفقودة، التباهي أصبح عادة أساسية، لم تعد البركة حاضرة، حاويات النفايات أصبحت مملوءة ببقايا الأكل. في رمضان لم تكن تتعدى أصناف الطعام 4 أصناف، كنا بصحة جيدة، ونادراً جداً ما نصاب بالأمراض المزمنة، تلك الحياة التي عشناها ليست بمذاق هذه الحياة الآن، اختلف كل شيء وأصبحت الأموال تُعرض على برنامج السنابشات على هيئة سفرة عامرة، ولم تعد الريالات العشرة تساوي شيئاً.