«ليس الفتى من يقول كان أبي، إنما الفتى من يقول هأنذا» يبدو لي من خلال التجربة خطأ هذه المقولة؛ ذلك أن الأب يورثُ أبناءه صفاتٍ أخلاقية، لا يمكن للأبناء اكتسابها، لو لم يكن هو ذلك الأب الذي أورثهم إياها، فالأب الذي ربى أبناءه على صلة الرحم، وسرعة النجدة لإغاثة الملهوف منهم، فإن الأبناء لا يتخلون عن ذلك، بخلاف الأب المشاحن لأقاربه، حيث إن تلك المشاحنة تنمو وتتسع مع الأبناء، والأب الكريم يكتسب منه أبناؤه هذه الخصلة الحميدة التي أوصى بها الإسلام، وأوصت بها الديانات السماوية عمومًا؛ لهذا كان النسبُ والحسب من الأمور التي تُرغب في اختيار خاطب أو مخطوبة دون الآخر، أو الأخرى. قال صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع، لمالها، وحسبها، ونسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». على المستوى الشخصي قال أبي موصيًا لي وناصحًا في غنائه الشفوي: «الله يخلي لنا عالي، وابنصحك لكل المعاني، إلى لفوا عندك الخطار جود مناصيب الدلالي وكثر الرحب غالي ثم دسم لحاهم بالسمانِ، يسهل الله مطاليبك كما رزق أبو زيد الهلالي» ؛ فأحيانًا كثيرة أحاول أن تكون ضيافة الضيف بأبسط الأمور، لكنني حين أستذكر هذه الوصية أسمو إلى هذه الخصلة الكريمة، التي أوصاني بها والدي رحمه الله، وقطعًا ليس الأمر مقصورًا عليّ بل إن كثيرًا من الأبناء أوصاهم آباؤهم بذلك، فحفظت هذه الوصية التي هي من وصايا الإسلام الخالدة.