لا يُخفى علينا مدى خطورة موضوع الأنساب، فقد وضع الشارع الحكيم حدوداً تصونه من الضياع والاختلاط، فشريعتنا الغراء متشوِّفة إلى حفظ الأنساب واتصالها؛ لما يسببه ضياعها من آثار وخيمة لا يُحمد عقباها! وكان ذلك من ناحية أولى: بتحريمه جل جلاله للزنا لما يسببه من اختلاط الأنساب إلى جانب ما يسببه من أضرار صحية وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾، وبالترغيب والحث على الزواج من ناحية أخرى؛ لما يحققه من صيانة للأفراد من الوقوع في المحرم لقوله صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء» وإلى عقودٍ خلت كانت قضايا إثبات النسب في المملكة نادرة الوقوع؛ ويرجع ذلك ما لقضايا النسب من طبيعة حساسة تميزها عن غيرها من القضايا فكانت تحظى بالسرية من جانب أصحابها فإذا ما ظهرت كانت الطامة! ومع ازدياد قضايا إثبات النسب في المملكة أثارت حولها جدلاً واسعاً حول أساليب وطرق إثبات النسب ولعل أبرزها إجراء تحليل الحمض النووي أو البصمة الوراثية والمعروف بتحليل ال(D.N.A). فمن الناحية العلمية فإن تحليل الحمض النووي وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من البنوة، إلا أنه وبحسب قرار مجمع الفقه الإسلامي فإنه لا يعتمد على البصمة الوراثية في إثبات النسب ولكن يمكن الاستئناس به في حالات محددة مثل: حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات، وحالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الكوارث والحوادث، بالإضافة إلى حالات وجود جثث مع تعذر معرفة هويتها. وبالنظر للمحاكم السعودية وعلى الرغم من التزايد الحاصل في قضايا إثبات النسب في المملكة إلا أن القضاء السعودي لا يعتمد على تحليل الحمض النووي (DNA)؛ مستندين في ذلك على قوله صلى الله عليه وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، ومعناه أن الأصل أن كل من تنجبه الزوجة وعقد النكاح قائم فإنه ينسب إلى الزوج دون الحاجة إلى دليل آخر أو ما يسمى ب «حجية الفراش». فمن دون وجود عقد نكاح رسمي، أو اعتراف الأب بالابن أمام القاضي، لا يمكن إثبات نسب الأبناء. [email protected]