في تقديري أن الكاتب إبراهيم شحبي في روايته «الوردة القاتلة» الصادرة عن دار جداول بيروت 2018، قد أنجز عملاً مهماً يستحق القراءة والمناقشة بداية بالفكرة التي بنى عليها الكاتب روايته عن سيرة الحلاج «الصوفي الشهير» وانتهاء بتلك النهاية المأساوية من قتل وصلب وإحراق والتي وردت أحداثها في الفصل 13 من الرواية مسبوقة بالكثير من الأحداث والمفاجآت، إذ تبدو فكرة الوردة مبتكرة لم يسبق لي على الأقل أن قرأت عن فكرة مشابهة حيث تنتزع وردة صديقه (أبو بكر الشبلي) التي رماه بها مجبراً من قبل جنود الخليفة بدلاً عن الحجارة التي يقذفه بها الناس وهو على خشبة الصلب، نفحة من روح الحلاج التي تأخذها بعيداً عن بقيتها لتسبح في الفضاء، وتبقى في نطاق الأرض بعد قتله لتحاوره بينما تصعد روحه الباقية إلى السماء، إذ ظلت تلك النفحة من الروح التي انتزعتها الوردة بعد أن أذن الحلاج لصديقه برميه بعد أن رأى إصرار الجند على ذلك إلا أنها كانت أشد ألماً على نفسه من تلك الحجارة التي رماه بها الناس لأنها جاءت من صديقه الذي عاش معه وقتاً من عمره في بغداد. وليست نفحة الوردة وحدها التي تخيلها الكاتب في روايته هي ما ابتكرته مخيلته، فكثير من تفاصيل رحلات الحلاج لم تدونها الكتب التي تناولت سيرته سوى بإشارات موجزة إلى المدن التي عاش فيها، أو سافر إليها بداية بتستر ومروراً بواسط، والبصرة، ومكة، وبغداد، وبلاد الشام إلى شمال الأناضول، ومن تلك الكتب (السيرة الشعبية للحلاج) لرضوان السح، وكتاب (الحلاج شهيد التصوف) لطه عبدالباقي، وكتاب (الحلاج فيما وراء المعنى) لسامي مكارم، وكتاب (الحلاج، وصوت الضمير) لأبكار السيد، وكتاب (مأساة الحلاج) لماسينيون وكرواس، وغيرها من المؤلفات التي تناولت سيرة الحلاج، حيث ركزت في مجملها على خوارق أفعاله وثوريته، وبعضها ركز على روحانياته وتجلياته تلك التي لم تقف الرواية عندها كثيراً حيث تعاملت معه إنسانياً أكثر من تركيزها على التهويمات الصوفية التي زخرت بها أغلب الكتب التي تناولت سيرته. وتظهر تفاصيل السيرة المتخيلة التي ابتكرتها رؤية الكاتب في رحلة الحلاج الأولى من تستر إلى واسط ص 16- 17 وفي رحلته للهند يبتكر الكاتب أحداثاً متخيلة: «في مساء اليوم التالي جاءني الشاب يطلب حضوري لسيدته لتشكرني فذهبت، وجدتها قد أعدت لي طعاماً وشراباً وفاكهة وقد لبست زينتها وكشفت عن جمالها في عينين واسعتين دعجاوين، وفم مدور مكتنز الشفتين، تخفي خلفهما أسناناً كالبرد تظهر إذا افترت عن ضحكة خجولة، وشعر ينسدل على عنق كعنق الغزال تزينه قلادة تحط نهايتها بهلال مرصع بالياقوت بين نهدين عظيمين في صدر واسع يحمله خصر نحيل يفضي إلى ردفين كبيرين تحملهما ساقان كالمرمر، وبعد حديث عن تجارتها وأحوالها وأسباب رحلتي طلبت مني أن أزورها كل مساء..» ص76 إضافة إلى ما زخرت به الرواية من تفاصيل كثيرة عن تنقل الحلاج بين مدينة وأخرى كرحلته من البصرة إلى مكة، وبغداد، والهند، وفلسطين، والأناضول وغيرها من المدن، كما استحضرت الرواية الكثير من الأحداث التاريخية كثورة الزنج، وبعض تقلبات أوضاع الخلافة في بغداد ومحاربة الفرنج على الثغور خلال القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع، وحوت الكثير من مواقف المجادلات المعرفية بين الحلاج وخصومه في كل مكان ينزل به. كما أضاف الكاتب لهذا العمل لمسة فنية جميلة حيث عمد إلى وضع وقفات بين فصول الرواية للتأمل، منها ما هو مقتبس من كتاب (الطواسين) المنسوب للحلاج، حيث أورد الكاتب أربع مقولات موجزة تحت مسمى (طاسين)، ومن تلك الوقفات ما هو مرويات من معاصري الحلاج، وأورد الكاتب منها ست مرويات تحت عنوان (شاهد) إضافة إلى بعض الإشارات المختصرة لمقولات الحلاج التي أورد منها الكاتب ست مقولات ورمز لها بحروف (أبجد هوز). ولعل الرواية بكل تفاصيلها الشيقة تدور حول النهاية المأساوية، حيث العقدة التي صورت أقسى أنواع التعذيب، وأغرب نهاية في 14 صفحة. وينقلنا الكاتب إلى عالم الميتافيزيقيا متخيلاً الحلاج في عالم علوي يستقبل أرواح أصدقائه وأهله كلما مات أحدهم، ويتتبع حياة من بقي منهم على قيد الحياة من خلال بقية روحه في الأرض، ولا شك أن عملاً مثل هذا استغرق جهداً بحثياً امتد لسنوات يستحق الإشادة والاحتفاء.