«علينا جاي يالخوّاخة، يا باغي الزين لا يفوتك الطيب، ما بعنا بالكوم إلا اليوم»، صوته الجهوري يبلغ أسماع هبّاطة السوق، ويصل بعض البيوت القريبة، يحضر في كل المواسم من بيع السمن، والتمر في الشتاء، إلى بيع اللوز الأخضر والمشمش، والحماط والبرشومي والخوخ والعنب في الصيف، إلى السمسرة على البقر والخرفان، كائن عملي حريص على الريال، ومحتزم بكمره في وسطه، واللي يدخل ما عاد يشوف النور. يؤمّن بضاعته من مزرعته، أو من الحراج، يخفت المحرج باللي يبغاه في أذنه، فيختار له من كل المنتوجات الزراعية، ومن فقده للثقة في أولاده لا يهبط بهم معه. عند توفر البضائع يكسب الزبون، ويفتح مع كل مشتر حكاية، بعد أن يستعلمه من أين، كان عنده مشكلة في نطق حرف الهاء بدل ما يقول للسامع، ها: تفهم تخرج من فمه (هاتفكم) ردّ عليه واحد مكاوي فكنا يا عم هاتفكم وإلا هاتفنا مين جاب سيرة الهاتف دحّين، وما فلت يده حتى صرّف عليه شيئاً من بضاعته وخفّض السعر فاستغرب جاره ونشده وشبك، تبيع برخص، فرد «حسن السوق ولا حسن البضاعة». سأله محزم: وش حدّك على الشقاوة يا عم أحمد؟، فأجاب: يحقر القرش اللي ما يفيده يا ذرى مليحة، واستغل فرصة حديثه معه ليقول «ودّك تشاور الكهلة تأخذني»؟ فقال، الصبي: ما بقي إلا أنت يا عبّاد الدراهم والله لو ما يبقى من الخلايق إلا أنت، تستعيض عن الأسد الراحل بحصيني. ضحك وقال طاوعني شاورها خل أريحك من غَلَبَتْهَا. اقتنعت مليحة أن تقترن به، قال له العريفة: ما كنك استعجلت، كان خليتني ألمح لك وحدة نَصَف على الأقل، فيها شويّة مرقة، فجاوبه: يا كبيرنا حسن السوق ولا حسن البضاعة، فتعالت الضحكات. ذبح ثورا مزريا للجماعة وفزع الجماعة بالقدور للطبخ والنساء صنعن الخبز، لم ينضج لحم الثور، وتم تقسيم اللحم على كل حاضر (رجل وامرأة وطفل)، للكبار قبضة كف شحمها أكثر، وللشباب نصف قبضة ودسمها على قدها، وللصغار ما تيسر، غمز العريفة الشاعر وقال تكفى سدّني في البخيل المجدّع، فقال: دواه عندي. فبدع «يا فتى مدري عن الله لا يزرى عليك، غير تقدر ما عليك، وشمعك في ذبحة الهوش كنك في منى، بقّ للصدقان وإلا الرفاقة سانية، باقي صدّة ثانية، ما بي إلا لو يضّلي الحرس باشفا غليله، دُسّ جلبك يا ابن عفتان لا يدري عنه».. علمي وسلامتكم.